أخبار منوعة

بيض فاسد وزيت محترق وتراب.. طقوس الطلبة الغريبة في الجامعات الليبية للاحتفال بتخرجهم

تمرُّ اللحظات، يسكن الليل، ويعلو في المقابل صوت دقات ساعة الحائط، وقيس آدم الذي لم يعتد السهر كثيراً يفشل هذه المرة في الحصول على قسط يسير من النوم قبل اليوم الحاسم، فبعد ساعات سيقف أمام لجنة من أساتذته لمناقشة أطروحته للحصول على البكالوريوس في مجال هندسة التخطيط والمساحة، من جامعة عمر المختار بطبرق شرقي ليبيا.

قيس استعدّ لهذا اليوم كما يجب، وحضر للامتحانات أفضل من أي وقت مضى، لكن ليس هذا ما كان يتخوف منه، مصدر قلقه يتمثل في الطريقة الغريبة التي يعبر بها الليبيون عن فرحة التخرج، يتفنون في الضرب بالحجر والبيض الفاسد، وإهالة التراب وسكب زيت السيارات الأسود المحترق وأشياء أخرى.

كل هذا سيكون احتفالاً به من قبل أصدقائه الحميمين داخل الحرم الجامعي، حين خروجه من قاعة مناقشة بحوث التخرج في كلية الهندسة بجامعة عمر المختار في طبرق، أمام باقي زملائه وزميلاته وأساتذته، والمارّة أيضاً من أمام الجامعة، الواقعة على طريق سريع هو المدخل الغربي للمدينة الأكثر نشاطاً في تلك الأثناء ساعة الظهيرة.

ذكريات لا تنسى

قيس يوم تخرجه عانى من كل أشكال التنكيل، يتذكر بابتسامة عريضة صدمة أمه وأبيه وإخوته، والذهول الذي ارتسم على وجوههم عندما عاد إلى البيت متسللاً من الباب الخلفي للمرآب، وزيت السيارات المحروق يغطي وجهه وذراعيه ويكسوها بالسواد، والتراب يغطي كل جسمه، بعد شبه معركة خاضها ضد زملائه المتجمهرين خارج قاعة المناقشة.

يومها أجبر على الاستحمام بالماء البارد بسبب انقطاع الكهرباء لأكثر من 12 ساعة، حيث الأعطال المتكررة في شبكتي الماء والكهرباء المهترئتين منذ عهد نظام العقيد القذافي.

الابتسامة لم تغادر محيا قيس آدم وهو يتذكر تلك اللحظات التي يعتبرها رغم كل شيء ذكريات جميلة، لن تمحى من ذهنه، وهو يودع واحدة من أهم مراحل حياته، قيس المتفوق في دراسته منذ الصغر، والحاصل على درجات عليا في الكلية، يعتقد أنه لا بأس بشيء من المتعة والجنون قبل أن يبدأ حياة مهنية ستتسم بالجدية والانضباط والروتين الممل في مجال الهندسة.

فرح بالنجاح أم حسد؟

“هكذا جرت العادة في كلياتنا ومعاهدنا، طريقة الأصدقاء في التعبير عن فرحتهم بتخرج صديق ما، وإنهائه آخر مراحل الدراسة”، يشرح قيس آدم ويضيف لا أستطيع منع أصدقائي من التعبير عن فرحتهم بتخرجي، فكل ما استطعت فعله هو إحضار ملابس احتياطية أستقبل بها هذا “الكرنفال”، ومن حسن حظي أنني تمكنت من تبديل ملابس التخرج (خلع البدلة الرسمية) قبل الخروج إلى باحة الكلية، حيث ينتظرني احتفال جنوني، مما اضطرني إلى الهرب من وابل البيض الفاسد والتراب وزيت السيارات، بل والضرب.. كل هذه الممارسات من باب المزاح الثقيل، حيث لا مفر من هذه الطقوس أمام جمع من الأصدقاء المتربصين بخروجي، ولا مجال للهرب أو التراجع”.

خليفة سليمان بعكس أغلبية الخريجين الجدد يرفض مثل هذه الطقوس في التعبير عن الفرحة كما يقول لـ”هاف بوست عربي”، “لم أمارس في حياتي أشياء كهذه مع أحد، ولم أشارك في احتفالات كهذه فيها الكثير من التصرفات غير المسؤولة التي لا تليق بمكانتنا العلمية ولا المكان الذي ننتمي إليه، فالمؤسسات العلمية أماكن لها قدسيتها، لذلك اشترطت على أصدقائي عدم العبث معي نهائياً عند الخروج من قاعة المناقشة بكلية الصيدلة بجامعة عمر المختار بطبرق، وهذا ما حصل رغم محاولة البعض المزاح معي بطريقة أو بأخرى، لكن الأمر مرّ بسلام”.

رفض خليفة لطقوس الاحتفال المعتادة اعتبره كثير من أصدقائه غريباً، حيث وصفوه بـ”المعقد” كما يقول “لا أرى الأمر مسلياً على الإطلاق، فكثيراً ما تسبب مثل هذه الاحتفالات غير العقلانية في مشكلات بين الأصدقاء، وتضع البعض في حرج كبير أمام أساتذته وعائلته، لأن هذا النوع من المزاح قد يخرج عن السيطرة، ويأخذ منحى خطيراً، والنتائج ليست مضمونة دائماً”.

وجهة نظر خليفة تشاطره إياها منى أبوبكر الطالبة الجامعية، إذ تصف تلك الطقوس بالأمر بالهمجي والمتخلف، مستنكرة أن يكون التعبير عن الفرح بهذه الطريقة العنيفة، منى تذهب بعيداً في تفسيرها لهذه الظاهرة، حيث تقول إن الأمر ربما يكون سببه “الحسد والحقد على الخريجين من قبل أصدقاء آخرين، فهذا العنف لا يمكن تبريره أو تفسيره على أنه فرحة لنجاح صديق أو شخص عزيز”.

منى تربط تلك الطقوس أيضاً بما مرت به ليبيا من حروب أهلية وجرائم وانتهاكات وانتشار للسلاح مؤخراً، مما قد يكون سبباً في تغيير سلوكيات العديد من الشباب، حتى أضحى “العنف وسيلة من وسائل التعبير عن الفرح”.

ظاهرة جديدة

من جهته يرى عبدالمنعم الشوماني، الأستاذ في جامعة محمد بن علي السنوسي في البيضاء، والمهتم بالحركة التعليمية في ليبيا، أن هذه الظاهرة كما يسميها لم تكن معروفة على الإطلاق في العهد الملكي وحتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي في الجامعات والمعاهد الليبية، حيث كان يغلب على تلك المؤسسات مراعاة التقاليد والأعراف الدولية.

الشوماني أرجع بدايات هذه الظاهرة في حديثه لـ”هاف بوست عربي” إلى ما بعد ما “ثورة الطلاب”، التي أطلقها الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، في السابع من أبريل/نيسان في العام 1976، بعد خطابه الشهير في منطقة سلوق (حيث أعدم عمر المختار) جنوبي بنغازي، حينما حول الجامعات إلى “ساحات لممارسة العنف على شكل محاكمات صورية وعمليات تنفيذ للإعدام ضد معارضيه من طلاب وأعضاء هيئات التدريس، بحجة الحرب ضد ما سمّاه حينذاك بالقوى الرجعية المعادية للحرية والعدل والمساواة، التي ينادي بها في كتابه الأخضر، وما كان يعتبره نظرية عالمية ثالثة”.

الشوماني يعتبر أن تلك الأحداث جعلت من الممارسات العنيفة أمراً غير مستغرب داخل الحرم الجامعي، الذي شهد مداهمات واعتقالات عدة، بل وحتى تصفيات جسدية على أيدي رجال الأمن الداخلي، وأعضاء ما يعرف باللجان الثورية المخلصين للفكر الجماهيري الاشتراكي، الذي فرضه القذافي بعد أقل من عشر سنوات من حكمه لليبيا، كل تلك الإرهاصات يعتبرها الباحث في قضايا التعليم الليبي، من أهم “أسباب التغيير السلوكي الذي طرأ على المجتمع الليبي ككل إلى يومنا هذا”، مضيفاً أن هذه الظاهرة في نهاية الأمر تبقى مجرد حلقة ضمن سلسلة حلقات تطور العنف في المجتمع الليبي

المصدر:

هاف بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock