د. سلمى عيد الحربي تكتب: الإشراف التربوي وأزمة الهوية في ظل النظم التعليمية المركزية واللامركزية
يُعد الإشراف التربوي أحد أهم الوحدات الضابطة في الهياكل التنظيمية التعليمية، والرافد الأساس لعمليات التحسين والتطوير. ومنذ نشأة الإشراف التربوي كمصطلح مهني في بداية القرن العشرين وحتى يومنا هذا لا زال يُنظر إليه كمرتكز أساس في عمليات الإصلاح التعليمي، ولطالما ارتبط التغيير في توجّهات الإشراف التربوي بحركات الإصلاح التعليمي كحركة الأهداف والكفايات والمعايير والنُظم ونواتج التعلم. وفي ظل كافة الحركات التاريخية السابقة كان الإشراف التربوي يحافظ على وظيفته الأساس المتمثلة في ضبط جودة الممارسات التدريسية وتوجيه القيادة التعليمية لتحقيق أهداف النظام التعليمي، والتأكد من أن المؤسّسات التعليمية تُنفّذ وتمتثل للقواعد والسياسات المنظّمة للعمل التربوي. لذا، تُجمع المصادر التربوية في الجهات والمنظمات الدولية المختصّة (ومن أهمها رابطة الإشراف وتطوير المناهج ASCD) على أن مهام الإشراف التربوي “Educational Supervision” تجمع بين المجالات التشخيصية والتطويرية؛ كتحليل عمليات التعلم والتدريس، وتحديد المشكلات، وتقديم الحلول التعليمية جنباً إلى جنب مع تقديم التوجيه للقيادات التعليمية، ونقد وتطوير السياسات الضابطة للممارسات التعليمية التي تهدف في مُجملها لتحسين المخرج التعليمي. واستناداً على ما سبق، فإن فاعلية الإشراف التربوي تتطلّب الانطلاق من فلسفة سليمة ورؤية واضحة وفهم عميق لإطار عمل الإشراف التربوي في النظم المركزية واللامركزية.
ففي النظم المركزية، لا بد أن تُوكل عمليات ضبط جودة الممارسات التدريسية والقيادة التعليمية، وأُطرالتحسين والتطوير لكافة عناصر النظام التعليمي (البشرية والتنظيمية) للإشراف التربوي تشريعاً وتخطيطاً وتنفيذاً وتقويماً. كما أن فلسفة النُظم المركزية تقتضي عدم فصل أُطر العمل عن السياق التعليمي وتربط الأهداف بالمؤشرات والممارسات بالمعايير والأنظمة بالتشريعات، وجميعها لا بد أن تكون مرجعيتها للإشراف التربوي لمنع حدوث ازدواجية في الآليات أو خلل في العمليات وما يترتب على ذلك من مخرجات. أما النُظم اللامركزية، فهي تمنح المؤسسات التعليمية بوحداتها ومستوياتها التنظيمية المختلفة حرية اتخاذ القرارات الجوهرية وتحديد الأطر والسياسات والتشريعات المنظّمة للممارسات التدريسية وسياق القيادة التعليمية نظراً لديناميكية التغيير وسهولته في ضوء هذه النُظم. وعليه، فإن الإشراف التربوي تتقلّص أهميته في ظل النظم اللامركزية؛ حيث تذوب وظائفه وتنصهر في إطار قيادة المنهج داخل المنظمة التعليمية. وهذا ما يفسّر وجود رتبة المعلم المشرف في أغلب الدول التي تتبنّى النظام التعليمي اللامركزي.
وبناءً على ما تقدّم، فإنّ الأزمة الحقيقية في مجال الإشراف التربوي تأتي نتيجة ضبابية الفلسفة التي يُستند عليها في تحديد إطار عمله ومنطلقاتهومسؤولياته، وعدم القدرة على تحديد هويته الخاصة التي يُعتمد على تحديدها بشكل أساسي بناء على تصنيف الاتجاه المعتمد في النظام التعليمي سواء كان مركزي أو غير مركزي. وحتى يتمكن الإشراف التربوي من أداء مهامه على الوجه الأمثل، فلا بد أن تكون هناك رؤية واضحة لفلسفة المنظمة التعليمية العليا؛ فإما أن يكون الإشراف وحدة تنظيمية تتكامل مع غيرها من الوحدات داخل نظام تعليمي مركزي بحيث يتولى ضبط جودة الممارسات التدريسية وما يترتب على ذلك من مهام التطوير المهني للمعلمين والتوجيه التربوي للقيادات التعليمية والتحليل البيني للسياق التعليمي والتقويم المستمر للمُنتج المستهدف.وإما أن يكون مستوى أعلى داخل منظومة المدرسة كوحدة تعليمية؛ حيث تصبح مهمته تصحيح مساراتقيادة المنهج من خلال الأدوات والمنهجيات والنماذج العالمية في هذا المجال. أما ما يقع خارج هذين الإطارين فهو بشكل أو بآخر عبارة عن تعطيل مُقنّن لأثر الإشراف التربوي ومؤشر عالِ لوجود فجوة حقيقية في مسارات الإصلاح التعليمي.
د. سلمى عيد الحربي