يوسف عوض العازمي يكتب: التاريخ .. والعلوم المساندة
” العيب في دراسة التاريخ اننا أحياناً نـطالع صفحاته لنقرأ أنباء الانتصارات و الهزائم ، و أخبار المواليد و الوفيات ، و لـكن التاريخ شئ آخر وراء هذا الظاهر ، وهو أن تعرف ما المقدمات التي انتظمت حتى انتهت بالنصر أو الهزيمة “
( محمد الغزالي )
علم التاريخ كعلم مرتبط علميا” وظرفيا”بعدة علوم مختلفة ، منها العلوم المرتبطة إرتباطا” واضحا” وهناك علوم ترتبط كتحليل وتفسير لمداخل ومخارج هذا العلم الإنساني الهام
من العلوم المرتبطة بوضوح علم المخطوطات وعلم الآثار و علم الآنثروبولوجيا ، ومن العلوم المرتبطة تحليليا” العلوم السياسية ، وعلم الإجتماع ، وعلم الإقتصاد ، وعلم النفس و غيرها ، عند البحث تكاد تعتبر كل العلوم التجريبية و النظرية مساندة لعلم التاريخ ، لأنه ربما يكون الحدث ذا الصلة مرتبط بعلم الأرض الجيولوجيا أو حتى الكيمياء ، لذا يستحسن بالباحث التاريخي الذكي أن تكون لديه فكرة مناسبة عن عدة علوم حتى تساعدة في البحث والفهم و التحليل وتفسير الظواهر
لو تحدثت على سبيل المثال لا الحصر عند بعض العلوم المساندة ، سأتحدث عن علاقه علم النفس مع التاريخ وبأنها علاقه محكمة متكامله لا يمكن لاي مؤرخ عندما يكتب التاريخ الا يربط ويرتبط مع علم النفس ، في بعض الأبحاث والدراسات هناك تفصيل وسبر للسيرة الخاصة لشخصيات تاريخيه معينة
فمثلا” عندما نتحدث عن شخصيه تاريخيه معينه قد تدرس دور هذه الشخصيه وفلسفتها في الحياه ؛ وتاريخ الاحداث التي واكبتها وواجهتها ، ايضا من المهم جدا ان نضع بالاعتبار هذه الشخصيه ومآلاتها وما لها وما عليها ، حتى داخل الأسرة الصغيرة ، مثلا” ما علاقه هذه الشخصيه التاريخيه مع الوالدين ، ووضع الوالدين وهل كانوا حكاما” ، ام لا ؟
مع الاخوه والاخوات ، مع الزوجه والابناء ، مع الدائره المقربه الضيقه ، ثم مع القياديين التابعين والإدارات التابعة ، وفلسفة هذه الشخصية في إصدار القرارات المصيرية والمنهج الذي تتبعه، هل هو أشبه بالدفاعي أي ردة فعل ، أم المنهج الإداري الهجومي الذي هو المبادرة والقيام بدور اللاعب والفاعل ، كذلك مهم متابعة العلاقة مع الشعب ، وتأثير ذلك على المكانة بين مواطنينه وكذلك تعامله مع المخالفين والمعارضين
هناك تساؤلات تبرز عند أي باحث في التاريخ ، منها :
ماهو تأثير علم النفس على البحث والتحليل في علم التاريخ ؟
هل هناك أهمية لتناول الحالة النفسية للاعب الرئيسي الفاعل في الحدث التاريخي؟
يقول مؤسس علم التاريخ(1 ) اليوناني هيردوت : فرض علي أن أقول ما قيل لي، لا أن أصدقه !
هنا وكأن الأغريقي القديم يؤكد بشكل غير مباشر على خطورة علم التاريخ في حال نقله بأمانة ، وهذا يقودنا لإستخدام فرضية الشك في كثير من تأريخ الأحداث التاريخية خاصة المثيرة للجدل ، حتى الأحداث مثيرة الجدل تاريخيا” بالإمكان الحصول على تصور أفضل لها خاصة بالإستعانة بعلم الرجال والجرح والتعديل ، حتى أني أحيانا” أفكر ببعض أحداث التاريخ المعاصر ، وأحداث عايشناها بحذافيرها وتفاصيلها ثم أتساءل ماذا لو كتبت عنها ، هل سأكتب بحيادية وأمانة؟
هل أكتب بمصداقية صرفة أم سأتوارى وراء الترميز ؟
يأخذني الظرف الفكري لأتفكر بالمؤرخين الأوائل : هل واجهوا ظروفا” منعتهم من الكتابة عن التاريخ بأمانة منزهة ؟
أمام هذا لك أن تتفكر مليا” في التاريخ !
لذلك المفكر التاريخي عليه أن يهتم بالتحليل والإستعانة بالعلوم المساندة لعلم التاريخ لتحريك جذوة العصف الذهني وتعدد الآراء وفرزها بعد ذلك ، لتفنيد الحقائق ، وتثبيت الرؤى ، وإستخراج أنسب الإستنتاجات والإحتمالات
من أهم العلوم المساندة في العلوم الإنسانية هو علم النفس
وهو كما أرى واعتقد مرتبط ارتباطا” حيويا” في كثير من العلوم قد لا اكون مبالغا حينما اربط علم النفس حتى في العلوم التجريبيه وليس العلوم الانسانيه والنظريه فحسب لذلك فهم الشخصيه وتحليلها من اهم ما يقوم به المؤرخ للتاكد من تاريخه الذي سيؤثر ويكتب عنه ، في هذا الامر كل علم اسرار تكوينات مداخله مخارجه كذلك علم النفس يدخل في كل شيء و كما اسلفت أن علم النفس يدخل حتى في الظواهر الشخصيه ومداخلها وخلفياتها وآيديولوجيتها وعلى ادق تفاصيل الشخصية ، مما يفتح افاقا” أمام الفهم الكامل
هناك من يقرأ النص التاريخي ويسبغه على حقيقه فهم فكر وتفكير ومنهج هذه الشخصيه من خلال ذلك قد نفهم تصرفات هذه الشخصيه في ما تواجه او ما واجهته من احداث تاريخية اي ما الذي واجهته من الاحداث من تقلبات وتغيير
في إحدى الحوارات مع أحد استاذتي بالجامعة أتذكر قوله الذي لم أنساه إذ قال : لا شخصية دون هوية ولا هوية دون انتماء ولا انتماء دون أصالة ولا أصالة دون تاريخ ولا تاريخ دون رجال ولا رجال دون عزيمة
يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
1 _ كثير من المصادر و المؤرخين يعتبرون هيردوت هو مؤسس علم التاريخ أو ابو التاريخ .