أ. د. عبداللطيف بن نخي يكتب: أزمة التعليم ومجلس الأمة
رغم الاختلاف المبدئي الشاسع بين السياسي الاصلاحي وبين الآخر المتسلق، بحيث قد يصل التباين بينهما إلى درجة التناقض والمواجهة في بعض المواقع، إلا أنه يصعب على المواطن التمييز بينهما، لأن مبادئهما وقيمهما المعلنة متطابقة. لذلك على من يرغب بالتمييز بينهما تمحيص سيرتهما ومعاينة تصريحاتهما، لأن الإصلاحي يتميز بسعيه لإصلاح المجتمع ولا يخاف لومة لائم، فيصارحه ويواجهه في عيوبه. وأما المتسلق تجده يهاب الناس – وبالأخص من يستفيد منهم – ويتبنى ثقافتهم شاملاً الآراء والأفكار المعيبة. أي أن الأول يقوم المجتمع ويعيد توجيهه، في حين أن الثاني يسعى لتزعم وقيادة الجمهور في ذات مسارهم وإن علم بأنهم يسيرون في الاتجاه المعاكس.
هذه المقدمة ضرورية لبيان مكمن الخلل في موقف مجلس الأمة من قضايا الفساد الأكاديمي، ومحورية في تشخيص سبب عجزه أمام غول الفساد في منظومة التعليم الكويتية. فرغم وجود نواب مهتمين بتقييم وتقويم المنظومة التعليمية، وهم مدركون لخطورة أوضاع المنظومة، حيث أصدروا العديد من التصريحات، ووجهوا الكثير من التهديدات بالاستجواب، إلا أننا نجد أن المرض ما زال يزداد استشراءً في الجسد التعليمي، حتى أصبحت الحالة تستحق النقل إلى مستشفى العلاج التلطيفي من أجل تخفيف الآلام في مرحلة ما قبل الوفاة.
نعم تصريحات النواب التشخيصية متعددة ودقيقة، وعلى مدى عقود من الزمن، فمنهم من أكد في جلسة 2 يوليو 2014 أن نتائج الثانوية العامة في تلك السنة «مضروبة» 100 في المئة، وشابتها حالات غش. لأن مدير المدرسة الذي يفترض أن يراقب الامتحانات سمح بالغش، رغبة منه برفع مستوى مدرسته أمام المسؤولين في الوزارة. وأضاف أن هناك ثلاثة امتحانات تسربت قبل موعدها، والوزارة لم تستبدلها. وأشار إلى أن جزءا كبيرا من مؤسساتنا التعليمية والقائمين عليها يسمحون بالغش. وقال أن عددا لا بأس به من أساتذة الجامعة أيضا يسمحون بالغش، ويتجاوزون على حقوق الآخرين بالبعثات والتعيينات.
وأيضا تطرق إلى الفساد في مؤسسات التعليم العالي غير الجامعة، كالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، وقال إنه لا يمكن أن يسكت عما يدور في هذه المؤسسات. وأكد في كلمته أن لديه شواهد وأدلة على ما ذكر، وأن المساءلة للوزير آتية. ولكنه لم يقدم المساءلة حتى اليوم، واكتفى هو وزملاؤه – الأولى بالتصدي للفساد التعليمي – بتكرار تهديداتهم بالاستجواب مرارا تزامنا مع كل ارتفاع في احتمالات حل المجلس.
المشكلة بصراحة تتلخص في أن معظم المعنيين بالملفات التعليمية لا يرغبون بالتبني الفعلي لمشاريع اصلاحية تزعج الناخبين من أولياء أمور الطلبة الذين اعتادوا على النجاح بالغش، ببساطة مراعاة لمصالحهم الانتخابية. نعم هم مبدعون في التبني الصوري لتلك المشاريع من خلال تصريحات وتهديدات قد تبدو جادة، ولكن من دون تجاوز حدود تلك المشاهد التمثيلية. وهذا لا يمنع وجود بعض الاستثناءات التي يتوافق فيها الاصلاح مع المصالح الانتخابية، من قبيل المطالبة بالحق المشروع لمتقدم على وظيفة معيد بعثة حُرم من المقابلة الشخصية، بسبب تعسف أحد القياديين بالجامعة ضده. ولكن حتى في هذه الاستثناءات لا تتم معالجة المشكلة بصورة جذرية. بل تقتصر على المعالجة الفردية، فلا تتضمن المطالبة بإحالة القيادي المتعسف إلى لجنة تحقيق.
السبب الحقيقي وراء مقالي هو اطلاعي على خبر موافقة المجلس الاعلى للجامعات المصرية على معادلة الشهادات الصادرة من كلية الدراسات التجارية في تخصصات المحاسبة والإدارة والتأمين والبنوك والحاسب الآلي ثم القانون، حتى وإن كانت الشهادة قديمة، بقبولهم بالسنة الثالثة اعتبارا من العام الدراسي المقبل، عوضا عن قبولهم كطلبة مستجدين. مثل هذا القرار يفترض أن يعرض فورا على الجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم، من أجل الحصول على موافقته المبدئية على توفير هذا المسار الجديد لطلبتنا، قبل السماح لهم بالاستفادة منه.
هذا القرار ذكرني بتدني المستوى المعرفي لدى الكثير من الخريجين المتفوقين (معدل 3 نقاط فأعلى) الذين قابلتهم في لجان تعيينات وبعثات، حيث كانوا من خريجي جامعات اشتهرت بتوفير مسارات دراسية ميسّرة وبدرجات مسرّة. وهذه الملاحظة متفق عليها بين جميع الأكاديميين. لذلك أناشد جهاز الاعتماد الأكاديمي تشكيل لجان تخصصية من أكاديميين لتقييم مستوى حديثي التخرج من الجامعات، واعتبار نتائج تقييمهم في ضمن آلية تجديد اعتماد تلك الجامعات.
ما يقلقني في الأمر هو أن آمال التصدي للشهادات «الصورية» شبه معدومة في الكويت. فالحكومة لها أسبابها السياسية في التقاعس عن سحب الاعتماد من الجامعات الضعيفة، ومجلس الأمة أيضا لا يرغب في محاسبة الحكومة على تقاعسها خشية من انزعاج وغضب مجاميع انتخابية. بل أن الأمر وصل ببعض النواب إلى التصريح بأن الحاصلين على شهادات «وهمية» صادرة باسم جامعة غير موجودة، محصنين من عقوبات قانونية، بحجة أن لديهم شهادات أكاديمية رسمية معتمدة!
أتساءل: هل لديهم الرأي نفسه بشأن حملة جناسي كويتية «وهمية» حصلوا عليها من غير انطباق شروط التجنيس عليهم، بذريعة أن شهادات جناسيهم رسمية معتمدة؟!
يبدوا لي أنه حان الأوان لنا نحن الاكاديميين أن نطالب مجلس الأمة بتحول جذري في أولوياته نحو المزيد من الجدية في مكافحة الفساد التعليمي… «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».