كتاب أكاديميا

هل الجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي يضمن جودة المجلات العلمية؟…بقلم: د. خالد الهيلم الزومان

في الوقت الذي تسعى فيه المؤسسات الأكاديمية إلى ضبط جودة الإنتاج العلمي وتنظيم معايير الترقية، ظهرت بعض الشروط في لائحة الترقيات الجديدة المثيرة للجدل، من بينها اشتراط أن تصدر المجلة العربية عن جامعة معتمدة من الجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي.

وللوهلة الأولى، يبدو هذا الشرط وكأنه ضمان إضافي للرصانة، لكنه عند التمحيص يطرح عدة تساؤلات منهجية وتنظيمية حول مدى ارتباط هذا الاعتماد فعلاً بجودة المجلة.

فالجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي في جوهر عمله معني باعتماد برامج دراسية موجهة للطلبة الراغبين في دراسة البكالوريوس أوالماجستير أوالدكتوراه. وهذه البرامج تُقيَّم وفق معايير تخص المناهج، والمقررات، والكوادر، والبنية التحتية، ومخرجات التعلم ، وعدد الطلبة المقيدين فيها … الخ . أما المجلات العلمية، فهي كيان مختلف تمامًا، تُقاس جودته بمعايير أخرى، مثل نظام التحكيم العلمي، الانتظام ،ودورية الصدور، ، الفهرسة، والالتزام بأخلاقيات النشر العلمي ….الخ

بل إننا أمام مفارقة واضحة: فقد يعتمد الجهاز الوطني برنامج البكالوريوس في جامعة ما، ويرفض برنامج الماجستير أو الدكتوراه في التخصص ذاته — فهل يؤثر ذلك على اعتماد مجلة علمية تصدر عن تلك الجامعة؟ وإذا كانت المجلة صادرة عن مركز بحثي داخل جامعة غير معتمدة، لكن المجلة نفسها تخضع لتحكيم علمي رصين، هل تُرفض لهذا السبب فقط؟ وعلى أي أساس؟

ثم ما هو المعيار المعتمد؟
هل يشترط أن تكون الجامعة معتمدة جميع برامجها ؟ أم يكتفى باعتماد أحد برامجها؟
وهل يُعاد تقييم المجلات تلقائيًا إذا سُحب الاعتماد من برنامج جامعي في نفس المؤسسة؟

إن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه هو:

> “هل الاعتماد المؤسسي للجامعة ينعكس بالضرورة على جودة مجلاتها العلمية؟”
والإجابة، بكل مهنية، هي: ليس دائمًا.

 

فالجودة في النشر العلمي تُقاس بمعايير مستقلة، وهي معايير معمول بها عالميًا، يمكن الرجوع فيها إلى منظمات مثل COPE، وDOAJ، وScopus،
web of science

وغيرها. بل إن العديد من المجلات الدولية الرصينة لا تصدر عن جامعات بالأساس، وإنما عن جمعيات علمية ومراكز بحثية.

وعليه، فإن ربط جودة المجلة العربية فقط بكونها صادرة عن جامعة معتمدة من الجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي، يُعد اختزالًا غير دقيق للمعايير، ويضيق واسع وربما يظلم بعض المجلات الجادة التي لا تقل في مستواها عن مثيلاتها المصنفة دوليًا.

نحن اليوم بحاجة إلى مراجعة هذه الاشتراطات بروح علمية منفتحة، تعزز الجودة لا التعقيد، وتفتح المجال للإنتاج العلمي الجاد، دون قيود لا تستند إلى منطق أكاديمي واضح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock