سوسن إبراهيم تكتب :أنا أتشارك ‘علبة ملح’ معك
منذ عدة أيام ذهبت لأحد المطاعم لطلب الغداء وقد راعني الصوت الصاخب المنطلق من أحد الزبائن الذي كنت أقف خلفه مباشرة بالطابور. لا أخفي علمًا بأنني شعرت بالقلق من هذا الصراع الحاصل بين الزبون الصاخب والعاملة المتوترة وحينما أصخت السمع اكتشفت بأن المشكلة بينهما هي مشكلة لغة؛ أي مشكلة تواصل. يصرخ هو بالطلبات بالعربية وهي تحاول ان تتلقف طلباته بلغتها الركيكة مستفهمة وعاجزة عن استيعابه، حتى طلب مني أن أترجم له معنى “عُلبة ملح” بالإنجليزية، نعم “عُلبة ملح”!
وبهذه البساطة انفك النزاع الواقع بينهما وشكرني بحرج لمساعدتي له بعدما أكد لي بأنه يجهل اللغة الإنجليزية ولا يمتلك أساسياتها.
وكذلك هي مشاكلنا اليوم، مشكلة افتقارنا لأسلوب الحوار المناسب والتواصل الذي يقف حاجزًا شائكًا بين الأفراد ويدمر العلاقات المتينة. لست هنا اليوم لأتحدث عن أهمية اكتسابنا للغة ثانوية بجانب لغاتنا الأم ولكن لأسلط الضوء على أن أسلوبنا بالحوار يحدد كيفية تعامل الآخرين معنا.
يقول المخترع والمهندس الصربي الأمريكي نيكولا تسلا:
“إن ما نُريد ونَحتاج له الآن هو التواصل الأقرب والفهم الأفضل بين الأفراد والجماعات، في الأرض بكاملها وإنقاص الآناء والتفاخر والاستكبار الذي يَميل دوماً إلى دفعِ العالم إلى الهَمجية البِدائية والحُروب. السلام لا يمكن أن يأتي إلا كنتيجة طبيعية للاستنارة الكونية.”
إذًا التواصل السليم الذي يعكس صفاتنا الإنسانية بلا تكبر او مفاخرة لأي سبب كان، هو ما نحتاجه اليوم في ظل الصراعات التي يشهدها العالم والنزاعات التي تجتاح المجتمعات.
لذا تذكر، إن هممت بالصراخ على أحدهم على الاغلب سيكون رد فعله مشابه وسينطلق برد الصراخ وإن تحدثت مع أحدهم مستخدما اسلوب الحجج والمنطق سيحاول الاخر منحك حججا أخرى تقنعك بالموضوع وإن تحدثت بروية وأناة ستجد بأن المتلقي لا يختلف عنك بشيء وهكذا دواليك.
ولذلك فإن وقعت بمشكلة استعن بأسلوبٍ راقي ومهذب يعبر عن حضاريتك وإنسانيتك قبل أن تُحرج نفسك بفظاظة أنت بغنى عنها. ولأن سوء الفهم ومنطقنا بالحوار له أهمية كبرى في فداحة المشكلة أو حلها بشكل حضاري وبسيط لابد من إتقان بروتوكولات الحوار وإتيكيت الرد لتكن معاملاتنا هينة سهلة لا مندفعة وغير منطقية تصل بنا الى حد الإساءة للأخر او الإهانة او حتى قطع العلاقات الاجتماعية.
سوسن إبراهيم