” الأم شريان المجتمع ” بقلم الشيخة حصة الحمود السالم الحمود الصباح
الحديث عن المرأة حديث مفعم بالمعانى الجميلة والحديث عن الأم بالتحديد لا نهاية له فلا تصف أبلغ العبارات ما تحمله النفوس من مشاعر الإجلال والتقدير لكل أم عظيمة تضحى من أجل ترجمة هذه المشاعر إلى واقع تحيا به الحضارات الإنسانية العظيمة ، فمنذ بدء الخليقة والأم هى أصل كل الحضارات وعروة تماسك المجتمعات وميزان تقدمها.
يقول شاعر النيل حافظ إبراهيم (الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق ) هذه الأبيات ليست مجرد مديح ولكن واقع وتجارب تبرهنه وتشهد عليه كل حضارة على مر التاريخ ، حتى فى علوم اللغة يتم وصف مصدر الشئ بمصطلح (الأم) فالأم هى الدماء التى تسرى فى شرايين المجتمع فتبعث فيه نبض الحياة وتجدده .
الأم هى الوعاء الأول الذى تخلق فيه الحياة وتسرى فيه الروح فى لحظات قدسية تتميز بها الأم فقط ، ومنها الغذاء الأول وهى المعلم الأول والتى يتشكل بحبها والإرتباط بها منذ المهد كل مشاعر النفس البشرية وهذا الذى يجعلنا نفسر سر هذه القشعريرة التى تنتابنا عند الحديث عن هذا الكيان العظيم ومدى الإرتباط بها ،فأى كلام يتصاغر أمام هذه المشاعر الإستثنائية الجميلة .
لقد أراد الله بحكمته ورحمته أن يكافئ الأم عن مشقة حملها ووهنها فأوجد فينا هذا الإرتباط الأبدى بها ، وهى من جعلها نبينا الكريم (ص) أحق الناس بالقرب والمحبة وكررها ثلاثا لرجل كان يسأله عن أحق الناس بالصحبة.
وهذا التكريم والتبجيل لم يكن من فراغ ولكن سنة من سنن الله فى خلقه ولا تبديل فى ذلك .
وعلى الرغم من تهميش المرأة فى العصور القديمة إلا أنها كانت الإستثناء فى الحضارة المصرية القديمة (الفرعونية ) فالمرأة و الأم العظيمة فى الفكر الدينى عند المصريين القدماء ترمز إلى الخصوبة والنماء ( الإلهة حتحور ) والعدل (الإلهة ماعت) والقوة (الإلهة سخمت) .. وتقلدت اربع ملكات حكم مصر فى مراحل مختلفة فى العصر الفرعونى وهو العصر الذهبى للتاريخ البشرى ، لذا نجد أن تعظيم المرأة والأم تحديدا سر من أسرار إزدهار الحضارة الفرعونية وتقدمها .
وعندما نتحدث عن الدور العظيم للأم فى عصرنا الحالى نجد أن هذا اللقب المشرف نالته أيضا إحدى الراهبات وهى الأم تريزا والحاصلة على جائزة نوبل للسلام 1979 والتى كانت لها فلسفتها الخاصة فى تحديد المفهوم الحقيقى للرهبنة بعكس ما هو معروف وشائع منذ القدم ،فقالت أن الرهبنة لا تعنى الانعزال ولكن الإنخراط فى المجتمع ورفع المعاناة عن كاهل الفقراء والمحرومين والمشردين ، فكانت بحق أما للفقراء والمساكين فى العالم أجمع .
ولا يمكن أيضا أن ننسى رمز من رموز وطننا الحبيب الكويت وإحدى عباقرته ومبدعيه وهى الشاعرة والمبدعة والأم الفاضلة الشيخة الدكتوره سعاد محمد الصباح والتى تمثل ذروة معانى النضال والتضحية لرفعة هذا الوطن ، وقد برز دورها المشرف بعد الإحتلال العراقى الغاشم 1990 وإشتراكها فى اللجنة العليا لتحرير الكويت وجولاتها بين عواصم العالم لعقد ندوات للتعريف بقضية بلدها وكشف أباطيل المحتل ونشر وتوزيع مطبوعات كان لها دور فى تضامن دول العالم مع الكويت حكومة وشعبا حتى تم بفضل الله تحرير الوطن من دنس المحتل .
لها منا كل الحب والتقدير أمنا الفاضلة المبدعة الشيخة د. سعاد محمد الصباح وكل عام وكل أم في جميع أنحاء العالم بخير وسعادة وسلام .