كتاب أكاديميا

د.هشام مهران يكتب: جامعة المنزل.. ثورة التعلم الذاتي.. هكذا يمكنك أن تدرس في هارفارد مجانًا

هل يمكننا القول إن عصر التعليم التقليدي قد بدأ في الأفول؟ وأن الجامعات التقليدية والفصول الدراسية تواجه منافسة شديدة من كيانات التعليم الإلكتروني والذاتي؟

لقد أصبح نموذج التدريس حيث الأستاذ الملقي والطالب المتلقي في قاعة الصف الدراسية نموذجًا تقليديًا عفا عليه الزمن، وتطور في السنوات الأخيرة، وأصبح الطالب فيه أكثر تفاعلًا وانخراطًا ومساهمة في عملية التعليم، بل وأصبح الطالب فيه هو محور عملية التعلم.

ثم حدث شيء يشبه الثورة في طرق التعلم مع ظهور  جامعة الإنترنت، وهى عبارة عن منصات ومواقع للعليم الإلكتروني تقدم مساقات دراسية ومحتوى علمي من أعرق الجامعات وأكثرها تقدمًا وازدهارًا. حيث انخرط الكثيرون ضمن هذه المنظومة التعليمية، واعتمدوا على أنفسهم أولًا، ودوافعهم القوية للتعلم والتقدم.

لقد طور هؤلاء الطلاب قدرات ذاتية عالية في المتابعة والانتظام والاستمرارية والتفوق والتميز بينما هو جالسون في منازلهم أو إن شئت فقل جامعة المنزل.

إن قلب هذه الثورة هو الطالب الموجود في أية بقعة من الكرة الأرضية وقدرته الذاتية على أن ينخرط في مساقات دراسية لجامعات مثل هارفارد وستانفورد، بل إنه يحصل بإمكانته المادية المتواضعه على ذات المحتوى الدراسي الذي يدرسه الطالب من أعلى الطبقات الاجتماعية، وأكثرهم غناء وسطوة وسلطة.

إن محرك هذه الثورة هو ذلك الإنسان المتفرد الذي يملك قلبًا مفعمًا بالدافعية الذاتية وحب التميز والتفوق والتقدم المستمر. لقد أعاد التعلم الذاتي قدرة المجتمعات والأفراد على الاستفادة الحقيقية من محتوى الإنترنت من منصات تعليمية وتطويرية حقيقية فى بناء إنسان متميز متفوق متفرد، بل أضافت هذه المنصات القدرة على الحصول على شهادات حقيقية من تلك الجامعات العريقة. وأصبحت هذه المنصات هي الضمان الحقيقي لجودة التعليم المقدم من خلالها فهي جميعًا كيانات حكومية أو شبه حكومية لا تهدف إلى الربح وتهتم اهتمام كبيرًا بجودة المحتوى المقدم من خلالها، وجميعها مدعوم من هيئات ذات ثقل علمى وثقة أكاديمية عالية، حيث صارت موثوقة من جامعات عريقه تستخدمها في الوصول إلى الطلاب حول العالم.

إن موقعًا مثل كوسيرا، وهو منصة تعليمية كبيرة أطلق عليها العلماء الآن أكبر جامعات العالم، حيث يتعدى عدد طلابها 25 مليون طالب ويقدم ما يزيد عى 2000 مساق دراسي في كافة مجالات العلوم والتخصصات الإنسانية .

وأنا كأكاديمي أعمل بالجامعة منذ حوالى عشرين عامًا يمكننى القول إن المحتوى الدراسي ضمن منصات التعليم الإلكترونى وصل لدرجة من الجودة والتميز مما يجعله ينافس كثيرًا من الهيئات التعليمية التقليدية، بل يتخطاها ويتعداها ويتميز ويتفوق عليها، وعلى الدوام أنصح طلابي بالاستفادة من تلك المنصات المعتمدة، واثق تمامًا عندما أخبرهم أن ما ستتعلمونه هناك أفضل مما ستتعلمونه هنا.

ومع اعتقادي أن مهنًا كالطب والهندسة وغيرها من المجالات سوف تبقى أسيرة الجامعات التقليدية وأسيرة المباني والمعامل وغرف العمليات حتى سمعت عن أكرت جسوال أصغر جراح وعبقري في العالم، وهو طفل هندي أجرى عملية جراحية معقدة لمدة ساعة كاملة استطاع أن يعالج فيها إصابة بالغة في يد فتاه فقيرة من جراء حريق حول اليد إلى قبضة واحدة، واستطاع أن يعيد اليد إلى وضعها الأول، وحينما ذاع الخبر وتهافتت وكالات الأنباء على الجراح الماهر ذي الثلاثة عشر ربيعًا، قال إنه تعلم إجراء هذه العملية بالمشاهدة والقراءة وعبر الإنترنت.

وإن كان يشار للطفل على أنه عبقري وفلتة ومتميز أو كما يحلو لنا أن نسميه الطفل المعجزة فهو قبل كل هذا نموذجًا ناجحا لجراح تعلم الجراحة في البيت وبإمكاناته المادية المتواضعة. وإنه قدم نموذجًا فريدًا في ثورة التعلم الذاتي، وتميز المخرج التعليمي.

ومن جانب آخر يعتبر ماساتشوستس للتكنولوجيا «MIT» واحدة من أكبر الجامعات في العالم التي تركز على الأبحاث في العلوم والتكنولوجيا، وإسهامات أبحاثها وطلابها وأساتذتها في العلوم والهندسة لا يستهان بها. قام شاب اسمه سكوت يونج بوضع تحدٍّ لنفسه، وقام بدراسة منهج MIT الكامل الخاص بعلوم الحاسب الذي يدرس في الجامعة في 4 سنوات. ولكن هو قام بدراسته في عام واحد فقط. ففي كل مادة كان يشاهد المحاضرات الخاصة بها، ويقوم بالقراءة عن محتواها في المراجع، ويقوم بحل الواجبات وأداء الامتحانات الخاصة بها، ويقوم بالتطبيق العملي على المحتوى. فقام بهذا التحدي لكي يثبت للجميع أن أي شخص يمكنه أن يتعلم أي شيء.

ويبقى السؤال الأهم في عقولنا جميعا كآباء وأكاديمين ومسئولين عن مؤسسات ذات طابع حكومي أو شبه حكومي: ماذا عن الشهادات؟ وهل نقبل طبيبًا أو مهندسًا يحمل عشرات الشهادات عبر كورسيرا أو رواق أو غيره؟ هذا شيء غريب ومستغرب تمامًا، ومن زاوية أخرى نجد التحول الأقوى هنا ينقلنا إلى الوظائف في القطاع الخاص في دول عديدة؟

لقد أصبح معيار الكفاءة والخبرة العملية والوظيفية مقدمًا على معيار الأوراق والشهادات، فالشركات الآن توظف المبرمجين والمصورين والمصصممين بناءً على كفاءات فقط، وإنتاج متميز فقط.

إن الحكومات الآن والهيئات الحكومية بدأت تلجأ إلى خيار جديد، وهو التوظيف المعتمد على المهارات، والتي بدأت تنتشر في الولايات المتحدة الأمريكية في العامين الأخيرين. وقد ظهرت هذه الفكرة مع اتجاه سوق العمل إلى مجال التكنولوجيا في وقت وجود عدد كبير من الأمريكيين غير الحاصلين على درجة جامعية، فساهمت في رفع مستوى دخل الكثيرين، وساهمت في سد احتياجات سوق العمل في الوقت ذاته.

ومن المعروف أن كثيرًا من الحكومات توظف الهاكرز في سن مثل السادسة عشر والسابعة عشر بمرتبات مادية عالية جدًا. وهم أيضًا فئة من الناس تعلموا ذاتيًا وذاتيًا فقط. حتى أن مشكلات كبرى تواجه العالم الآن وتدمي اقتصاده وتكبد الدول الخسائر الهائلة، ويتطوع شاب في أقاصى ريف إنجلترا؛ ليقدم حلًا إبداعيًا ناجعًا مبنيًا على خبراته وقدراته وملكاته التي تعلمها في جامعة المنزل. وتمكن من إنقاذ العالم من كارثة كبرى كانت على وشك الحدوث؛ بسبب ما يعرف بفيروس الفدية الذي ضرب العالم مؤخرًا.

القائمة طويلة ومليئة بالنجاحات الفردية المبهرة والتاريخ مليء بعظماء تعلموا ذاتيًا في جامعات المنزل وجامعات الحياة حتى قبل ظهور الإنترنت والتعليم الإلكتروني. اقرأ إن شئت عظماء بلا مدارس، واقرأ عن أديسون ومارى كوري والعقاد، يقول أنيس منصور: إن العقاد قرأ حوالي 40 ألف كتاب، وبلغات مختلفة.

إن جامعة المنزل هي حقًا ثورة حقيقية في مجال التعلم في السنوات العشر الماضية، وهي مفتاح التميز والتفوق لجيل هذه الأيام الذي سيكون خريجوه من الحاصلين على شهادات من هارفارد وماساتشوستس، وستتراجع فيه نظرية التعليم الباهظ التكاليف الذي تقدمه الجامعات الخاصة في معظم دول العالم.

هنا تعليم حر بغير أسوار، وحيثما كان الإنسان ووقتما شاء بغير تنقل أو سفر أو انتظار أو تضييع لأوقات وأعمار.

إنه التحدي من جديد، تحدي الإنسان، وتحدى قدراته على الالتزام والنجاح والتميز الذاتي. فهل سيفلح أبناؤنا من هذا الجيل في اقتناص الفرصة والقفز بخطى كبيرة، وبسرعة عالية تناسب سرعة العلم وثورة التعلم. وأن يوظف تلك الأداة السحرية المسماة بالإنترنت في التعلم والتطور، بدلًا عن الاستخدام غير المجدي وغير المفيد.

وهل سيدرك الأكاديميون والآباء والأمهات حجم الثورة الحالية؟ ويحسنون التعامل معها ويوجهون أبناءهم نحو الاستفادة منها؛ فسيكون لهم السبق والفضل والفوز في هذا العالم. أم سيظلون حبيسي جداران موروثاتهم التقليدية وأفكارهم العريقة مقيدين أبناءهم إلى ذات الأفكار وذات الموروثات، فستكون صدمتهم مروعة بإنتاج جيل لا يختلف عنهم كثيرًا في عصر جديد وعالم آخر مختلف.

إن المراهق الذي يقضى خمس ساعات يوميًا على مواقع التواصل وبرامج الدردشة يمكنه الآن أن يحصل على درجات علمية بقضاء ساعة يوميًا على منصات التعليم الإلكترونى. لقد أصبح العلم الآن لمن يريد، وكما يقول شعار منصة إدراك للتعليم الذاتي: تعلم بالعربية أفضل التخصصات ومن أي مكان.

وصدق الفاروق حين قال: لا تكرهوا أولادكم على أخلاقكم، (أو على تربيتكم)، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم. كما قال روزفلت: قد لا يمكن بقدورنا تهيئة المستقبل لأبنائنا، لكننا على الأقل نستطيع أن نعد أبناءنا للمستقبل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock