كتاب أكاديميا

د. معصومة أحمد تكتب: كيف يصبح «العمل الخيري» منهجاً دراسياً؟

لعل نزعة «التطوع وفعل الخير» من ذروة السلوكيات ذات الأثر الكبير في الفرد والمجتمع، وقد حضّت على فعلها كل الديانات والعقائد، ونادت بها مختلف الثقافات الإنسانية، وأجمع عليها البشر كافة، فليس أدل على خيرية الإنسان وسمو معدنه فوق غريزته المصلحية، وتعلقه بالمُثُل العليا، من أن يضحي في سبيل الآخرين المحتاجين، فيسارع بمد يديه لطالبي العون، لا يعبأ بأن يكونوا من بني وطنه أو من وطن آخر، ولا يبالي إن كانوا ينتمون إلى دينه أو إلى ديانة مغايرة، لا ينتظر شكراً، ولا يتطلع إلى ربح، اللهم إلا ذلك الشعور المتسامي بأنه صار إنساناً بما يكفي، حين استشعر آلام غيره من المحرومين والمسحوقين.

والتطوع هرم متعدد الطبقات، قمته أن يقيس المتطوع المستحقين للعمل الخيري جميعاً بمسطرة واحدة، وهي ثقافة لا تتحقق إلا بغرسها في وجدان الفرد منذ تنشئته في أسرته ومدرسته، بدعم من كل مؤسسات الدولة الرسمية، وهيئات المجتمع المدني، حتى تشيع هذه الثقافة بين الناس، لتتحول إلى إعلاء للذات الفردية، وتنمية للمجتمع، وتعزيز لقدرات الإنسان في مواجهة التحديات، وهي في نهاية المطاف نوع من تربية النفس على مقاومة الرغبات الفطرية الضيقة والنزعات الأنانية، من أجل مصلحة الإنسان، والوطن، بل العالم بأسره.

وليس أدل على محورية التطوع في عصرنا من أن الأمم المتحدة أخذت على عاتقها تبنِّي برنامج واسع المدى لتعزيز فكرة وثقافة العمل التطوعي، باعتباره دعماً للسلام وجهود الإغاثة ومبادرات التنمية، وتعزيز حقوق الإنسان والديموقراطية في آن معاً.

ولم تكن الكويت بعيدة عن هذه الأجواء، إذ صرح وزير التربية وزير التعليم العالي، د. محمد الفارس، للصحف المحلية في التاسع من يونيو 2017، بأن وزارته تعتزم إدخال منهج «العمل التطوعي» في المناهج الدراسية، استجابة لتوجيهات سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد (حفظه الله)، وهو أمر يتسق مع منح سمو الأمير ذاته لقب «قائد للعمل الإنساني العالمي»، واختيار الكويت «مركزاً للعمل الإنساني».

وإذا كان إقرار منهج التطوع قد تأخر شيئاً ما، فلنبدأ الآن وسريعاً، باعتبار أن البدء متأخراً خير من عدم البدء مطلقاً، لكن حتى يتحقق الهدف بالعمق والمنهجية اللازمين، يتعين على المسؤولين أن يستبقوا التطبيق بالدراسة الواجبة، كي يضعوا إجابات مسبقة على أسئلة محورية من قبيل: كيف يمكن تطبيق هذا المشروع الإنساني الضخم؟ وما المبادئ التي سيقوم عليها، والأهداف التي سيتوَخّى تحقيقها؟ وعلى أي مرحلة دراسية سيطبَّق؟ وهل سيقتصر المنهج على الجانب النظري فقط؟ أم سيكون للجانب التطبيقي مكان؟ وكيف؟ وهل دُرِّبت الكوادر التربوية لتأهيلها لهذه المهمة؟ وهل هناك مساهمات من المجتمع المدني في المشروع؟

نطرح هذه الأسئلة، لأن مفهوم التطوع لم يعد يقتصر على التبرع برغيف أو قرص دواء أو قميص مستعمل.. بل تجاوز ذلك إلى إفشاء التسامح والتعايش، ومواجهة المشاكل الكبرى، والسعي لحل النزاعات، وتعميم قيم السلام، والتدريب على المشاركة والمبادرة وتحمل المسؤولية.

إن الكويت أكثر احتياجاً إلى تعميم ثقافة التبرع والعمل الخيري على أوسع نطاق، حتى نحقق مقولة «إننا لا نُصدِّر النفط فقط، بل نصدر قبلَه للعالم بأَسرِه قيمَ الخير والتضحية والسلام».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock