د. رابحه الرشيدي تكتب:النحو العربي وأهميته
علم النحو هو العلم الذي يبحث في تكوين الجملة، وهدفه تحديد خصائص الكلمات في الجمل، ممّا يسهل فهم ما ترمي إليه، ويقصد به محاكاة طريقة كلام العرب، ولذلك يسمّى النّحو أي أنّه ينتحي أسلوب العرب، وهو علم حديث نسبيّاً، ظهر في فترة خلافة عليّ بن أبي طالب -كرّم الله وجهه-، على يد أبي أسود الدؤلي ، وذلك من أجل حفظ القرآن الكريم من اللحن في القراءة بعد دخول الأعاجم للدين الإسلامي ومخالطتهم العرب، فبدأت تظهر العديد من المشاكل اللغويّة في الكلام .
وقد وضح ابن خلدون كيفية وضع قواعد النحو العربي ونشأته، وكيف فكر العرب في الحفاظ على اللغة، نطقاً وتداولاً بعدما فسدت الملكات الخاصة بالنطق السليم، فيقول: “فاستنبطوا من مجاري كلامهم قوانين لتلك الملكة مطردةً، شِبه الكليات والقواعد، يقيسون عليها سائر أنواع الكلام، ويلحقون الأشباه بالأشباه، مثل أن الفاعل مرفوع، والمفعول منصوب، والمبتدأ مرفوع، ثم رأوا تغير الدلالة بتغير حركات هذه الكلمات، فاصطلحوا على تسميته إعراباً، وتسمية الموجب لذلك التغير عاملاً، وأمثال ذلك، وصارت كلها اصطلاحات خاصة بهم”.
وكان هنالك صراعٌ حول من هو أول من تكلم عن النحو كعلم، وأسس له قواعد ومرتكزات، ولعل أول من تحدث بهذا الخصوص هو أبو الأسود الدؤلي، الذي أوجد الحركات الثلاث الشهيرة، وهي الفتحة والضمة والكسرة، والتي كانت بشكلٍ مختلف عما هو متعارفٌ عليه اليوم، ففي ذات مرة طلب كاتباً، وأمره بأن يستخدم المداد وصبغة أخرى للكتابة، وأمره بوضع نقطة فوق الحرف إذا رآه يفتح فمَه عند النطق به، وأن يضع نقطةً بين يدي الحرف في حال ضمّ الحرف، وأن يضع نقطة تحت الحرف في حال الكسر، وإن أتبع شيء غير الذي ذكره فليضع مكان النقطة نقطتين، وبعض الروايات تقول بأن علياً -كرم الله وجهه- هو من دلّ أبا الأسود الدؤلي لذلك، حينما قال له: انح نحو هذا، ومن هنا جاءت تسمية النحو العربي. وجاء في كتاب من تاريخ النحو لسعيد الأفغاني أن هنالك مَن أخذ عن أبي الأسود الدؤلي علم النحو، أمثال: يحيى بن يَعْمر، وعنبسة الفيل، وميمون الأقرن، ومضر بن عاصمٍ، وعطاء بن أبي الأسود، وأبو نوفل بن أبي عقرب، وهنالك من أخذ عن هذه الطبقة علم النحو وورثه جيلاً بعد جيل، ثم جاءت مدرسة الكوفة، فكان للخليل بن أحمد الفراهيدي دورٌ كبير في وضع النحو وتوريثه لسيبويه، ليوجد التفاريع والأدلة والشواهد، ثم جاء أبو علي الفارسي والزجاج بكتب مختصرة في النحو.
من أهم الأسباب التي دفعت أبا الأسود الدؤلي للمبادرة بوضع علم النحو وتوثيقه قصته مع ابنته، والتي ذكرت في كتاب الأغاني لمؤلفه الأصفهاني، ومضمون القصة: أن أبا الأسود الدؤلي دخل على ابنته في يومٍ شديد الحرّ، فقالت له مخبرة عن حرارة الجو: يا أبتِ ما أشدُّ الحر؟ فجعلت (أشد) مرفوعة، فظن أنها تسأله: أي زمان الحر أشد؟ فقال لها: شهراً ناجر، فقالت موضحة: يا أبتِ إنما أخبرتك ولم أسألك، وفي الواقع أنه كان واجباً عليها أن تنصب شد، لتعني التعجب من شدة الحر، ولكنها لحنت، فانتبه أبو الأسود الدؤلي لوجوب وضع قواعد للنحو تحميه من اللحن والخطأ. وقد بدأ اللحن بالتفشي والانتشار مع اتساع الفتوحات، واختلاط الفاتحين من العرب بالشعوب الفارسية والرومية، والأحباش، ودخول كثير من الأعاجم في الإسلام وتعلم العربية، ليستطيع الواحد منهم قراءة القرآن، كان من الأسباب التي استدعت وضع علم النحو، وضبط الألسن، بتدوين القواعد المستنبطة من القرآن الكريم وأقوال العرب، والتخلص من آفتيْ اللحن والتحريف، التي قد تجمع اللفظ والمعنى.
وتكمن أهمية علم النّحو بأنه يعين على تحدث العربيّة بشكل سليم، وبالتّالي تسهيل الفهم، ويمكن استيضاح أهميته بهذا المثال: تقول الآية الكريمة: (إنَّ الله بريءٌ من المشركين ورسولُه)، والأصل في تشكيل كلمة (رسوله) هي ضمّ اللام، وبالتّالي هي مبتدأ لجملة محذوفة، وتعني بأنّ الله بريءٌ من المشركين، والرسول بريءٌ منهم أيضاً، ولكن إن تمّت قراءتها بكسر اللام، أصبحت رسوله معطوفة على المشركين، ممّا يعني اشتراكهم بالصّفة السابقة وهي براءة الله منهم، وبالطّبع هذا معنى خاطئ، والفرق بين المعنيين حركة إعرابيّة واحدة.
ويهتم علم النّحو بالإعراب، وهو تشكيل آخر حرف أو حروف الكلمة، حسب موقعها في الجملة لتوضيح معناها، وتصّنف الكلمة في النحو إلى اسم، وفعل، وحرف، منها ما هو مبني على حركة معيّنة لا تتغير بتغير موضع الكلمة، ومنها ما هو معرب تتغير حركته حسب موضعه، والحالات الإعرابيّة هي الرفع: وعلامة الرّفع هي الضّمة في المفرد، وتنوين الضّم في المفرد النّكرة، وثبوت النّون في الأفعال الخمسة، والواو في الأسماء الخمسة وجمع المذكر السالم، والألف للمثنى، والضمة لجمع المؤنث السّالم، والأسماء المرفوعة هي الفاعل، ونائب الفاعل، والمبتدأ، والخبر، واسم كان وأخواتها، خبر إنّ وأخواتها، وتوابع الاسم المرفوع مثل النعت، والعطف. النّصب: وعلامة النّصب هي الفتحة للمفرد، وتنوين الفتح للمفرد النّكرة، والياء لجمع المذّكر السّالم، والألف للأسماء الخمسة، وحذف النون للأفعال الخمسة، والكسرة لجمع المؤنث السّالم، ومن الأسماء المنصوبة الحال، خبر كان وأخواتها، واسم إنّ وأخواتها، وتوابع الاسم المنصوب. الجر: وعلامة الجر هي الكسرة في المفرد السالم، وتنوين الكسر في للمفرد النّكرة، والياء في جميع المّذكر السالم، وحذف النون في الأفعال الخمسة، والياء في الأسماء الخمسة، وحذف حرف العلة في الأسماء المعتلة، والياء في المثنى، والكسرة لجمع المؤنث السّالم، ومن الأسماء المجرورة الاسم المجرور؛ وهو الاسم الذي يأتي بعد حرف الجر، والمضاف إليه، والتّوابع لاسم مجرور.
د. رابحه محمد الرشيدي
مدرب لغة عربية