حمد العصيدان يكتب: يا وزارة التربية… أدركي «الدور الثاني»!
وأخيراً، شربت وزارة التربية حليب الأسد، و«حمّرت العين» ورفعت سيف لائحة الغش في اختبارات الثانوية العامة، بعد سنوات من التسيب والفوضى التي عمت قاعات اختبارات الثانوية، والتي دفعت بنسبة النجاح في الثانوية العامة إلى مستويات قياسية لم تصلها بلاد أوروبا ولا شرق آسيا، تجاوزت 94 في المئة، بل كانت نتائج التعليم المسائي مبهرة إلى درجة فاقت فيها نتائج طلبة المدارس النظاميين، حتى زاحموهم على مقاعد الدراسة الجامعية، وأبعدوهم عنها.
وبعد أن فاض الكيل، ولم يعد الوضع يحتمل ولا يطاق، أصدرت وزارة التربية قرارين جدليين قبيل انطلاق اختبارات الصف الثاني عشر تحديدا، الأول تمثل في لائحة الغش التي وصفها البعض بـ«القاسية»، والثاني بتدوير مديري المدارس حتى لا يشرف المدير على طلبة مدرسته، وهو القرار الذي يستهدف، كما ذكر مسؤولون في الوزارة «مديرين غير مؤتمنين» يساعدون على الغش ويسهلونه للطلبة في مدارسهم.
وأمام هذين القرارين تحرك طلبة كانوا يعتبرون الغش حقا دستوريا مكتسبا لهم لا ينازعهم عليه أحد، كما هو حق الاستجواب للنائب في مجلس الأمة، واعتصموا في الوزارة مطالبين بإلغاء القرارين، ورأينا المناظر غير الحضارية للطلبة المعتصمين في مكتب الوزير، بل هناك أولياء أمور ساندوهم وحضروا معهم، وأحد أولئك الأولياء تجرأ ليهاجم الوزير بكلمته التي انتشرت في مواقع التواصل كالنار في الهشيم: «يعني الوزير أخذ الدكتوراه وما غش ولا مرة في حياته»؟ وهي عبارة تعكس المستوى الذي وصلنا إليه من التفكير والثقافة التي تسود.
بل أكثر من ذلك، حاول أنصار الغش أولئك زج مجلس الأمة في القضية، فاستنهضوا بعض النواب للعمل على إلغاء القرارين المذكورين، ليستجيب لهم بعض النواب، من باب المصلحة الانتخابية، وأصدروا بيانات وتصريحات صحافية يطالبون فيها وزارة التربية بالتراجع عن القرارين، بل أكثر من ذلك – وهذا وفق مصادر خاصة – أن نوابا توسطوا عند وزير التربية لأحد المديرين المعروفين بتسهيل الغش كي لا يعفى من مهام رئاسة لجنة اختبارات، لكن الوزير كان حاسما ورفض ذلك.
حتى جاء موقف مجلس الأمة الرسمي، متمثلا في اللجنة التعليمية البرلمانية التي أيدت إجراءات الوزارة وطالبت، في اجتماعها الذي حضره الوزير وقيادات الوزارة الأربعاء الماضي، بعدم التراجع عن القرارين لاسيما قرار لائحة الغش، صونا لحرمة الاختبارات وحماية للطلبة المجتهدين الذين تضيع جهودهم ويسرقها منهم الغشاشون.
وفي قاعات الاختبارات، كان الانضباط سائدا للمرة الأولى منذ سنوات، فخلت اللجان من الهواتف المحمولة والسماعات ذات التقنيات العالية، بل من تجرأ وأدخلها معه خلسة، رغم إجراءات التفتيش، دفع الثمن غاليا بضبطه وحرمانه. وهذا الأمر دفع العشرات بل المئات من الطلبة إلى التغيب عن الاختبارات والحصول على أعذار طبية تسمح لهم بتقديمها في الدور الثاني، على أمل أن تكون الأوضاع وقتها أفضل من واقع الفترة الثانية.
وهنا يأتي دور وزارة التربية لقطع الطريق على المحتالين الذين لا يتركون وسيلة إلا ويلجأون لها في سبيل النجاح غير المشروع، وعلى الوزارة قطع الطريق عليهم نحو الغش من جديد، بضرورة استمرار الإجراءات التي اتخذتها خلال الاختبارات الحالية في الدور الثاني، حتى لا يختل ميزان العدالة بين من درس وتعب واستسلم لمنع الغش، وبين من احتال وأجل ليحصل على مراده. وأعتقد أن وزارة التربية تعي هذا الأمر، لاسيما أن إحصائيات الغياب عن الاختبارات التي وصلت إلى الكنترول، لغاية يوم الخميس الماضي تتحدث عن تجاوزها حاجز 2000 طالب يستحيل أن يكونوا جميعهم مرضى، وإنما متمارضون بحثا عن الغش.
فيا وزارة التربية، أدركي الدور الثاني، واجعليه كالفترة الثانية في الانضباط والنظام، ليتوج عامك الدراسي بالنجاح في تخريج من يستطيعون إكمال دراستهم العليا، وليس كما حدث في السنوات الخمس الماضية على أقل تقدير، عندما تساقط الناجحون بالغش مع أول درجات سلم التعليم العالي، وهو الذي اشتكت منه جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، حيث تعاني الجهتان في مسألة القبول الجامعي، ثم تعانيان من الرسوم والتسرب.
الكاتب: حمد العصيدان