كتاب أكاديميا

تطوير المناهج الدراسية كالسيف..بقلم: أ. د. فيصل الشريفي

لطالما كانت قضية تطوير وتحديث المناهج الدراسية من الموضوعات الشائكة والمثيرة للجدل، بسبب استسلام وزراء التربية للضغوط السياسية، وتعدُّد الآراء والتوصيات والتقارير الفنية، التي ساهمت مُجتمعةً في تراجع مؤشرات جودة التعليم، وزادت من سنوات الفقد التعليمي في الكويت.
ما مضى قد مضى، ولعل الفرصة مازالت قائمة أمام وزارة التربية لإصلاح ما أفسده الزمن، واليوم ليس كالأمس، والمستقبل لا يستطيع أحدٌ التنبؤ بما يخفيه، في ظل تطور تكنولوجي تخطَّى عالم الخيال. التعليم النظامي في الكويت بدأ عام 1911 مع تأسيس المدرسة المباركية، وهي بالمناسبة أول مدرسة نظامية في البلاد، أُنشئت بمبادرة من وجهاء الكويت، وبموافقة الشيخ مبارك الصباح، حاكم البلاد آنذاك، وقد سُمِّيت باسمه، ومع ذلك فالبدايات سبقت هذا التاريخ بزمن، حيث حرصت الكثير من الأسر الكويتية على تعليم أبنائها من خلال الكتاتيب، والذي تركَّز على تعليمهم القراءة والكتابة وتحفيظ القرآن الكريم. ومع الاستقلال اهتمت الكويت بالتعليم، مما كان له بالغ الأثر في نهضتها، وساهم أبناؤها المتعلمون في بناء الكويت الحديثة، وكانت لهم اليد الطُّولى في تطوُّر معظم مرافق الحياة: الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، والتعليمية، والصحية، والسياسية، حتى سُمِّيت الكويت بـ «جوهرة الخليج».
اليوم العالم يشهد تحوُّلاً يفوق الخيال، والدول في سباق محموم لتحقيق أهداف التنمية المُستدامة، وما الصراع الاقتصادي وانحسار الفرص الوظيفية الذي نعيشه إلا أحد أوجه هذا السباق، إذ أصبحت الشعوب تُقاس بقيمة عقول أبنائها، لذا تتسابق الدول نحو توجيه مواردها للاستثمار في العنصر البشري، باعتباره الركيزة الأساسية لأي استثمار ناجح. تطوير المناهج الدراسية لم يعد خياراً، بل ضرورة تُمليها المصلحة الوطنية. ولعل الوزير يُدرك أهمية عامل الوقت وخطورة التراخي في تطوير المنظومة التعليمية على مستقبل الكويت، لذلك أصدر توجيهاته لأهل الميدان والمختصين بضرورة الانتهاء من وضع التصورات الأولية خلال أسبوعين من صدور القرار، الذي تضمَّن حزمة من المعايير والاشتراطات الإرشادية لتحقيق الغاية المنشودة من تطوير المناهج، وهي:
1. تعزيز القدرة على تكوين جيل واعٍ ومتمكِّن علمياً وفكرياً.
2. تكامل وترابط المناهج الجديدة.
3. تعزيز الهوية الثقافية الكويتية، وتحفيز الابتكار.
4. ترسيخ القيم والمفاهيم الوطنية لتعزيز الولاء والانتماء.
5. تنفيذ رؤية شاملة تستند إلى مبادئ الدولة. لن أخوض في التفاصيل، فما دفعني لكتابة المقال هو حرصي على مناقشة النقطتين الأولى والخامسة، بعد أن تغيَّرت أساليب الوصول إلى المعلومة عمَّا كانت عليه بالأمس القريب، وبعد أن دخلت التكنولوجيا الحديثة من أوسع أبوابها، وأضحت التطبيقات والبرمجيات تُنجز المهام خلال دقائق، بل في ثوانٍ معدودة.
هذا التحوُّل النوعي في الوصول لمصادر المعلومات يتطلَّب مواكبة عالم التكنولوجيا المعرفية، ورفع كفاءة المعلم قبل الطالب.
والحقيقة يصعب عليَّ معرفة الكيفية والآليات التي ستتبعها الوزارة لتحقيق هذا الهدف، ولا أظن أن الكويت تغرِّد خارج السرب، حيث بدأت معظم الدول المتقدمة، لاسيما في مراحل التعليم الابتدائي والمتوسط، تتخلى عن استخدام الشاشات الذكية والتكنولوجيا، وعملت على العودة إلى تعليم المهارات الأساسية، مثل: القراءة، والكتابة، والحساب، واللغة، مع القليل من المواد العلمية، والتركيز على غرس القيم الأخلاقية.
لذا أنصح القائمين على تطوير المناهج بمراعاة إدخال الجوانب التشويقية، والعمل على تحفيز الطلبة وصقل المهارات، وتهيئة بيئة ابتكارية متكاملة أساسها المعلم والطالب.
أما البند الخامس، والمتعلق برؤية الدولة، فيتطلب توجيه الطلبة واستقطابهم، من خلال إرشادهم برسم صورة ذهنية واضحة لبيئات العمل المستقبلية. ودمتم سالمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock