كتاب أكاديميا

لحمتنا كبيت العنكبوت

444902 87398 Org 2 - Qu70 RT728x0- OS394x528- RD394x528-

اكاديميا| الرأي

 

|أ. د. عبداللطيف بن نخي|

الأزمة اليمنية نفخت الرماد من فوق نار الفتنة الطائفية التي أشعلت في 1980 إبان الحرب الإيرانية – العراقية. ومنذ تلك الحرب وحتى يومنا هذا لم تخمد هذه النار. ومتى ما كانت تهدأ، صانها البعض من الإخماد فكساها برماد ليسهل إذكاؤها بهبة تصريح أو تغريدة عندما تستجد الحاجة لها. المضحك المبكي أن أطول فترة هدوء طائفي عاصرها جيلي، منذ الثمانينات، كانت في فترة الغزو وما تلاها من أشهر قليلة.

التهديد المستمر والمتكرر لنسيجنا الاجتماعي دليل الفشل في رعاية التراحم والتلاحم بين المواطنين المشار إليهما في الدستور كدعامات المجتمع. هذا الفشل لم يكن ليستمر لولا تقاعس البرلمان عن الالتزام بدوره الدستوري، فضلا عن كون بعض أعضائه من معاول تمزيق لحمتنا. هذه الصبغة البرلمانية ما كانت لتتفاقم لولا وجود أمية ديموقراطية في المجتمع.

دوافع الفتنة كانت دوما إقليمية، تماما كما عانت أوروبا من الحروب الدينية في القرنين 16 و 17 بسبب تنافس بعض الدول لبسط سيطرتها في أوروبا، منطقتنا اليوم ساحة صراع بين محاور تسعى لتوسيع نطاق نفوذها في دول المنطقة، هذا الصراع، كنظيره الأوروبي، أشعل حروبا عدة في المنطقة فتسبب بقتل وإعاقة وتشريد عشرات الملايين.

متابعتك وتحليلك لأخبار تلك الحروب في المنطقة بعد عشاء فاخر وأنت جالس في بيتك بين أسرتك أو في ديوانية بين أصدقائك، تختلف كليا عن محاولاتك لفهم الحدث وأنت تعاني من طنين في أذنك بعد سماعك لدوي انفجار، وتتفحص بدنك فتجد ملابسك ملطخة بالدماء وتبحث بنظرك عن أهلك فتعثر على أحد أبنائك ساقطا على الأرض ينزف دما وعيناه لا ترمشان، وبجانبه أخوه يبكي ويمد يده إليك لتساعده على النهوض. الأمن والسلم نعمتان عظيمتان قد لا تعودان إن فقدناهما، أو قد لا تكون أنت وبعض أحبابك من المتواجدين حين يمن الله علينا بعودتهما. فلا تجازف بهما ولا تسمح للآخرين بالمغامرة بهما.

إشكاليتنا تكمن في سطحية مساعينا لمعالجة إدماننا الطائفي. نذكر بعضنا بعضاً بماضي آبائنا وأجدادنا الجميل، ولكننا لا نسعى لنكون مثلهم في احترام الاختلاف وحماية التنوع. المسار الحكومي للقضاء على الخطر الطائفي يمر عبر الأناشيد الوطنية، وتياراتنا السياسية متسقة مع حكومتنا في منهجيتها فتجدها تكتفي بمحاسبة الحكومة في الغرف المغلقة – كما تدعي – وتنظيم مهرجانات تضم أطياف المجتمع، ووجهاؤنا يظنون بأن الحل يكمن في تبادل زيارات الدواوين.

لا شك بأن إصدار مرسوم بقانون في العام 2012 بشأن حماية الوحدة الوطنية يعتبر خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح لكبت السلوكيات الطائفية، ولكنه لا يستطيع منفردا اجتثاثها من المجتمع. وخير دليل على ذلك موجة الرسائل الطائفية والعنصرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي اجتاحتنا بعد الإعلان عن بدء «عاصفة الحزم». استئصال جرثومة التطرف تتطلب إصلاح النفوس وفرض النصوص ضمن خطة منهجية شاملة كتلك التي انتشلت ضحايا المستنقعات الطائفية في بقاع المعمورة.

إدراكا بخطورة ما يهددنا وانطلاقا من فهم واقع مجتمعنا ومعرفة قنوات تحصين جبهتنا الداخلية، قدمنا من خلال منتدى «أكاديميون بلا حدود» إلى مجلس الوزراء في أبريل 2009 مقترحا متكاملا بشأن إنشاء جهاز مركزي يعنى بترسيخ الوحدة الوطنية. حيث أوضحنا في وثيقة المقترح بأننا ننشد تحويل شعارات الوحدة الوطنية إلى عمل مؤسسي شفاف تحتضنه الدولة وتمارسه وفق منهجية واضحة المعالم لمكافحة التمييز في المؤسسات وتعزيز ممارسات وثقافة التعددية وقبول الآخر في المجتمع.

أتساءل متى تستشعر الحكومة أهمية ترسيخ دعائم الوحدة الوطنية عمليا، وتتبنى تنفيذ وتفعيل مقترح إنشاء جهاز الوحدة الوطنية وإخراجه الى النور قبل فوات الأوان؟!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock