فزعة تجار الكويت الكرام من أجل العلم والتعلُّم | كتب: د. عبدالمحسن الخرافي
إن للعلم والتعلم في دين الإسلام وعند الأمة المسلمة منزلة رفيعة ومكانة سامية، ومن أهم الأدلة على ذلك نزول أول آيات القرآن الكريم على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالحث على العلم والتعلم، وهي الآيات الكريمة في صدر سورة العلق، يقول المولى عز وجل «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» (العلق: الآيات 1 – 5)، ويؤكد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك المعنى العظيم بجعل العلم طريقاً موصلاً إلى الجنة، فيقول صلى الله عليه وآله وسلم «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ» (رواه الترمذي، رقم 2646).
وهذا ما سوف نستعرضه في هذه القصة الواقعية من كتاب فضيلة الشيخ يوسف بن عيسى القناعي «صفحات من تاريخ الكويت» التي جاءت تحت عنوان «السبب في بناء المدرسة المباركية»، التي تتجسد فيها فزعة تجار الكويت الكرام من أجل العلم والتعلم.
يقول فضيلة الشيخ يوسف القناعي رحمه الله: بعد انتهاء المولد قام المرحوم السيد ياسين طباطبائي وألقى كلمة خلاصتها «ليس القصد من مولد النبي تلاوة المولد، وإنما القصد الاقتداء بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الأعمال الجليلة، ولا يمكننا الاقتداء به إلا بعد العلم بسيرته، والعلم لا يأتيكم اليوم إلا بفتح المدارس المفيدة، وإنقاذ الأمة من الجهل»، يستطرد الكاتب رحمه الله قائلاً: وبعد ما انتهى كلامه تدبرته فإذا هو الحق، فأخذت أفكر في الوسيلة التي يكون بها فتح مدرسة علمية، فرأيت أن أكتب مقالاً أبين فيه فضل العلم والتعلم، ومضرات الجهل وقيمة التعاون على هذا المشروع فكتبت هذا المقال وبدأت بالتبرع لهذا المشروع بمبلغ 50 روبية، ليست في ملكي حينئذ وإنما دفعتها بعد أن يسرها الله لي، ثم ذهبت للمرحوم سالم بن مبارك الصباح وتلوت عليه المقال، فأجابني بأنه لا يمكن أن يقوم بهذا الأمر إلا الحاكم وكان الحكم حينئذ بيد والده مبارك، وخرجت من عنده قاصداً محل شملان بن علي بن سيف ولم أجد هناك إلا إبراهيم بن مضف فتكلمت معه في المشروع فتبرع بمئة روبية، وبعد هنيئة جاء شملان وأخبرته فحبذ هذا العمل وذهب إلى دكان أولاد خالد الخضير، وأخبرهم بالخبر فاستبشروا به وتبرعوا بخمسة آلاف روبية وتبرع شملان بمثلها، وطلبوا من إبراهيم بن مضف الزيادة فتبرع بخمسمئة روبية، ثم خاطبوا هلال المطيري فتبرع بخمسة آلاف روبية، ثم جرى الاكتتاب فحصل من بقية أهل الكويت 12500 روبية ثم كتب آل خالد وناصر المبارك وشملان وهلال إلى قاسم وعبدالرحمن آل إبراهيم فتبرع قاسم بثلاثين ألف روبية وتبرع عبدالرحمن بعشرين ألفاً فصار مجموع رأس مال المدرسة 77500 روبية، وتبرع أيضاً اولاد خالد الخضير ببيت كبير للمدرسة، وعينت لمباشرة البناء، واشترينا بيت سليمان العنزي، وبيتاً آخر بقيمة زهيدة، وحصل بيت وقف خرب تحت إشراف آل خالد أدخلناه في المدرسة، وتعهدت المعارف بدفع قيمة أضحيتين بحسب نص الموقف كل سنة، فصار مجموع قيمة البيوت التي ألحقت ببيت خالد 4000 روبية وشرعنا في البناء سنة 1329هـ وانتهى في رمضان من هذه السنة، وبلغ مجموع ما صرف على البناء والأبواب والأخشاب ونحوه 16000 روبية، وفتحت المدرسة للتدريس أول المحرم سنة 1330هـ وعينت ناظراً لها والمدير السيد عمر عاصم وسارت المدرسة سيراً حسناً.
وهكذا ضرب أجدادنا من التجار الأوائل من أهل الكويت الكرام المثل الرائع والقدوة الحسنة في فزعتهم من أجل التعليم والتعلم، فجزاهم الله عنا خير الجزاء.
د. عبد المحسن الجارالله الخرافي
www.ajkharafi.com