التطرف في المشاعر بعد الصدمة: بين الحساسية المفرطة والقسوة الخشنة
يتعرض الإنسان خلال حياته لمجموعة من التجارب الصادمة التي تترك آثاراً نفسية عميقة، وتشكل ردود فعله تجاه هذه التجارب جزءاً من كيفية تعامله مع الألم والأحداث السلبية. تتباين ردود الفعل بعد الصدمة بشكل كبير، حيث ينقسم الناس بين حساسية مفرطة وقسوة خشنة، وهذان النقيضان يعبران عن استجابات عاطفية متطرفة نابعة من الألم والمعاناة.
أولاً: الحساسية المفرطة
تعد الحساسية المفرطة أحد الاستجابات الشائعة بعد الصدمة، حيث يصبح الفرد أكثر عرضة للتأثر بالمواقف والكلمات وحتى الإيماءات. يعيش المصاب بحساسية مفرطة حالة من التوتر الدائم، ويشعر بعمق متزايد تجاه الأحداث من حوله. قد يكون هذا النوع من الاستجابة نتيجة مباشرة للألم الذي مر به الفرد؛ فهو يستشعر كل ما يدور حوله من منظور معزز، مما قد يزيد من تعرضه للقلق والاكتئاب والخوف من المواجهة الاجتماعية.
تتجلى هذه الحالة في تجنب المواقف التي قد تُذكّر المصاب بالصدمة، حيث يصبح شديد الحذر، وقد يبذل جهداً كبيراً لحماية نفسه من التعرض لأي نوع من المشاعر السلبية. يمكن أن تكون هذه الحساسية المفرطة معيقة، حيث تجعل الفرد ينغلق على نفسه ويعجز عن التفاعل بشكل طبيعي مع العالم من حوله، مما قد يؤثر على جودة حياته الاجتماعية والمهنية.
ثانياً: القسوة الخشنة
على النقيض، هناك من يتعامل مع الصدمة من خلال تطوير قسوة خشنة تُعبر عن حالة من الانفصال العاطفي. يرى هؤلاء أن الحل الأمثل لحمايتهم من الألم هو التحصن بمشاعر قاسية، تجعلهم يظهرون بمظهر متجرد من العاطفة. هذه القسوة تعد آلية دفاعية، حيث يحاول المصاب أن يبعد نفسه عن الشعور بالضعف، مما يجعله يبدو بلا مبالاة ويعتمد على القوة الجافة كحاجز ضد أي عاطفة قد تؤذيه.
قد يبدو المصابون بالقسوة الخشنة باردين وغير متعاطفين مع الآخرين، وقد يفشلون في إدراك احتياجات الأشخاص المحيطين بهم، مما يؤدي إلى تصدعات في علاقاتهم الاجتماعية والشخصية. إلا أن هذه القسوة هي في الأساس نتاج خوف دفين من مواجهة الألم، فهم يختارون طريق الإنكار أو التحصين بدلاً من المواجهة والاعتراف بمشاعرهم الحقيقية.
العوامل المؤثرة في التطرف العاطفي بعد الصدمة
هناك مجموعة من العوامل التي قد تساهم في تحديد ما إذا كان الفرد سيصبح حساساً بشكل مفرط أو قاسياً بشكل خشن بعد التعرض لصدمة. من هذه العوامل:
1. التجارب السابقة: الأفراد الذين عانوا من تجارب مؤلمة سابقة قد يكونون أكثر عرضة للحساسية أو القسوة حسب طبيعة شخصياتهم وطرق تكيفهم.
2. دعم المجتمع والأسرة: الدعم الإيجابي من الأهل والأصدقاء قد يساعد الشخص في التعافي بشكل متوازن وتجنب التطرف العاطفي.
3. الاستعداد الشخصي: تختلف ردود الفعل باختلاف شخصيات الأفراد واستعداداتهم العاطفية، حيث يلعب المزاج دوراً كبيراً في تحديد كيفية الاستجابة.
4. الوعي بالمشاعر: مدى قدرة الفرد على فهم وإدراك مشاعره بعد الصدمة يساهم في تحكمه في ردود الفعل العاطفية، وتجنب الوقوع في الحساسية المفرطة أو القسوة.
الآثار السلبية للتطرف العاطفي
سواء كان التطرف في شكل حساسية مفرطة أو قسوة خشنة، فإن الآثار السلبية قد تكون واضحة. قد يؤدي تطرف المشاعر إلى إضعاف قدرة الفرد على التكيف مع الحياة اليومية، وقد يمنعه من بناء علاقات صحية. الحساسية المفرطة قد تؤدي إلى العزلة، بينما القسوة الخشنة قد تدفع الآخرين إلى الابتعاد عن الشخص المتألم، مما يزيد من معاناته بدلاً من تخفيفها.
كيفية تحقيق التوازن العاطفي بعد الصدمة
من أجل التغلب على آثار الصدمة وتجنب التطرف العاطفي، يُنصح بالقيام بعدة خطوات:
1. الاعتراف بالمشاعر: فهم وتقبل مشاعر الألم والخوف بعد الصدمة يعتبر أساسياً في التعافي.
2. طلب الدعم المهني: يلعب العلاج النفسي دوراً فعالاً في مساعدة الشخص على إعادة تأهيل عواطفه.
3. التواصل مع الآخرين: الحديث مع الأصدقاء أو أفراد الأسرة يمكن أن يكون متنفساً ودعماً نفسياً للتغلب على الآلام.
4. التعلم من التجربة: مواجهة المشاعر ومحاولة استيعاب التجربة تساعد في النمو النفسي وتحقيق توازن عاطفي صحي.
التطرف العاطفي بعد الصدمة، سواء في شكل حساسية مفرطة أو قسوة خشنة، هو رد فعل طبيعي يحاول من خلاله الفرد التأقلم مع معاناته. ورغم أن هذه الاستجابات قد تبدو متباينة، فإنها تتقاسم الجذور نفسها، وهي البحث عن الحماية الذاتية. لا شك أن التغلب على الصدمة وتحقيق التوازن العاطفي يتطلب وقتاً ودعماً، إلا أن البحث عن التوازن والسعي للتعافي يظل خياراً قائماً، يساعد على تجاوز الآلام وعيش حياة متزنة ونابضة بالسلام الداخلي.