د. سعاد الصباح تكتب: أَنْقِذُوا لُغَتَنا الجَميلةَ
صادفْتُ اللغةَ العربيةَ وهي تبكي على قارعةِ الطريقِ، لأنّها شاهدَتْ أطفالاً يسألُهم المذيعُ عن اسمِ حيوانٍ باللغةِ العربيّةِ، فلم يعرِفُه أحدٌ.
صدمتْني الحادثةُ، وفكّرتُ أنْ أعملَ شيئاً.
في هذا العالمِ الملوَّثِ بالتكنولوجيا.. تبقى اللغةُ الأمُّ هي الغابةُ التي ننامُ تحت أشجارِها ونحلُمُ بالمستقبل.
فالأطفالُ كالأشجار عندما نعتنِي بهم، يُملؤونَ بيادرَ الوطنِ بالخيرِ والفرَحِ..
لكنهم يعيشُون في مُناخٍ ملوّثٍ ثقافياً واجتماعياً وقومياً، وهم ضائعون ومكسورون نفسياً.. لا يستطيعونَ التعبيرَ عن مكنوناتِهم بلغتِهم الأمِّ، فنراهُم مُهتزّين تعصِفُ بهم اللغاتٌ الأُخرى كريشةٍ في مهبِّ الريح.
أشعرُ أنَّ الأطفالَ العربَ يتامى، ولغتُهم الأم موجودةٌ، وأشعر أنهم لا يجدونَ المُرشدَ الذي يدلُّهم على كنوزِ هذه اللغةِ، يتخبَّطون في المجهولِ كمركِبٍ بلا قائدٍ.
هناك بيوت توقّفَ فيها الكلامُ وانكسرَ الحوارُ يجدُ الأطفالُ أنفسَهم فيها منفيّين خارجَ المكانِ والزمانِ.
وينعكسُ التفكُّكُ القوميُّ على الوضعِ الاجتماعيِّ والعائليِّ، بحيثُ لم يعدْ أمامَ الأطفالِ منارةٌ قوميّةٌ أو ثقافيّةٌ أو تعليميّةٌ يسترشدونَ بها.
إنَّ اللغةَ العربيةَ في مأزقٍ، فالأطفالُ يعيشونَ خارجَ حدود اللغةِ سواءً في أوطانِهم أو مَنْ غادَرَ منهم الوطنَ.
فالأطفالُ العربُ يولدون منفيِّين عنْ لغةِ القرآنِ في أوطانِهم، يترعرعونَ مُستَلَبين وغرباءَ، وسيكونون بِلا انتماءٍ.
إنّني أقرعُ جرسَ الخطرِ، لأنّني أعتبرُ أنَّ الأطفالَ العربَ همُ العمودُ الفقريُّ للمستقبلِ العربيِّ، والطفلُ العربيُّ هو الذي سيرسمُ صورةَ الإنسانِ العربيِّ، وهو الذي سيحدِّد ملامحَ المستقبل.
فإذا فشِلْنا في ضخِّ دمِ الوطنيةِ والانتماءِ والارتباطِ بالقيمِ الروحيّةِ وبالأرضِ والتراثِ، فإنّ الأجيالَ القادمةَ ستكونُ غريبةً عن الوطنِ والتاريخِ، وستقعُ في أسنانِ عاصفةِ التغريبِ.. فالطفولةُ هي الأرضُ الطيّبةُ التي يمكنُنا أنْ نزرعَ فيها كلَّ الأحلامِ.
إنّ اللغةَ العربيّةَ هي الزيُّ القوميُّ، ونحنُ كعربٍ لا بدّ أنْ نلبِسَ لغتَنا حتى نتفاهمَ مع مجتمعِنا ومحيطِنا.
اللغةُ هي فصيلةُ الدّمِ، وكلُّ شعبٍ بفصيلةِ دمِهِ يُعرَف، واللغةُ كالشجرةِ تُورِقُ، وتُزهِرُ وتثمِرُ متى اعتنَيْنا بها.
اللغةُ هي ذلكَ المطرُ الذي يهطِلُ على الإنسانِ، وتلكَ الشمسُ التي تشرِقُ على نافذةِ الغنيِّ والفقيرِ، والأبيضِ والأسودِ، فيتوهَّجُ الإنسانُ عافيةً وكبرياءَ، وتنفجِرُ الأحلامُ والطموحاتُ.
لغةُ القرآنِ ولغةُ رسولِنا الأعظمِ تواجِهُ تحدّياتٍ؛ منها تأثيرُ اللغاتِ الأجنبيّةِ، والهجمةُ التكنولوجيّةُ بمفرداتِها الغريبةِ.
لكنّني مؤمِنةٌ بأنَّ ما تمرُّ به اللغةُ العربيةُ حالةٌ موقّتةٌ، فالمُهمُّ ألّا تنكسرَ روحُ الأمّةِ، وتسقطَ معنوياتُها.
وهذه مَهمّةُ كلِّ فردٍ فينا، فنحنُ حرّاسُ لُغتِنا، والمدافعونَ عن تراثِنا وقيمِنا الرُّوحيةِ.
• كُتِبت بمناسبة إقامة مهرجان سعاد الصباح لبراعم الأدب العربي
د. سعاد محمد الصباح