طرق التدريس و الذكاء الاصطناعي.. بقلم: د. ناجي بدر الضفيري

في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، أصبح الذكاء الاصطناعي أحد أبرز العوامل المؤثرة في الحقل التربوي، ولا سيما في مجال طرق التدريس. فالمعلم لم يعد المصدر الوحيد للمعرفة، والمتعلم لم يعد ذلك المستقبل السلبي للمعلومات، بل تغيرت الأدوار وتبدلت الأساليب، ليبرز الذكاء الاصطناعي كقوة محركة لتجديد أساليب التعليم، وتوجيهها نحو التفاعل، والتكيف، والتخصيص، والتحليل الدقيق. لقد دخل الذكاء الاصطناعي إلى قاعة الصف ليس كأداة تقنية مساعدة فقط، بل كمفهوم يفرض إعادة التفكير في الأسس التربوية، وفي صميم طرق التدريس.
كما أنه يوفر بيئات تعلم ذكية قادرة على التكيف مع الفروق الفردية، والتعلم التفاعلي، وتوفير التغذية الراجعة الفورية، وتحليل أنماط التعلم بدقة متناهية.
كما أن الذكاء الاصطناعي قد أتاح تطبيقًا فعّالًا لطرائق التدريس القائمة على التعلم القائم على المشروع، وحل المشكلات، والتعلم بالاكتشاف. فبدلا من أن يقتصر دور الطالب على تلقي المعلومات، بات بإمكانه التفاعل مع بيئات تعليمية افتراضية، تستخدم نماذج محاكاة ذكية، تتيح له استكشاف مفاهيم علمية وتجريب حلول متنوعة، مع تلقي تغذية راجعة فورية وتوجيهات شخصية في كل مرحلة. هذه التجربة التفاعلية تجعل التعلم أكثر تحفيزًا للمتعلم، وأكثر ارتباطًا بواقع الحياة.
كما أسهم الذكاء الاصطناعي في تطوير أدوات تعليمية تعتمد على “الوكيل الذكي” أو “المساعد التربوي الافتراضي”، الذي يمكنه إجراء حوارات مع المتعلمين، وطرح أسئلة، وتصحيح أخطاء، واقتراح أنشطة تعليمية، بل وحتى تقويم مدى فهم الطالب لموضوع معين من خلال تحليل لغته واستجاباته. هذه الأدوات، التي تتبنى خوارزميات تعلم الآلة ومعالجة اللغة الطبيعية، تمثل نقلة نوعية في طريقة تقديم المعرفة، حيث تصبح العملية التعليمية أكثر قربًا إلى الحوار النشط بدلاً من الإلقاء الأحادي.
وأخيرًا يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي لا يمثل مجرد أداة تقنية تُضاف إلى العملية التعليمية، بل هو عامل يعيد تشكيل طرق التدريس من جذورها. إنه يفرض على التربويين إعادة التفكير في الأساليب، والممارسات، وحتى في الأدوار داخل الصف. ومتى ما تم توظيفه توظيفًا علميًا مدروسًا، فإنه قادر على نقل طرق التدريس من مرحلة التلقين إلى مرحلة التفاعل، ومن التعليم التقليدي إلى التعلم الذكي، ومن التوجيه الجماعي إلى التخصيص الفردي. هكذا يصبح الذكاء الاصطناعي شريكًا حقيقيًا في بناء تعليم يتناسب مع تحديات القرن الحادي والعشرين.
بقلم: د. ناجي بدر الضفيري