الأنس بالله” بقلم الشيخة حصة الحمود السالم الحمود الصباح”
لكل إنسان طريق وطريقة ،منهج وسلوك ومن دلائل الحكمة أن يتسلح الإنسان بالصبر والكرم ليُحسن من خُلقه ، فالصبر على الأذى والتحلى بمكارم الأخلاق لا يكتملان إلا بحُسن الظن بالله ، فالمحسن هو المتوكل على من بيده مقاليد كل شئ ومدبرها ، يقول الله تعالى (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) صدق الله العظيم .هذا الوعد الإلهى اليقينى يجب أن يترتب عليه راحة وسكينة وإطمئنان أن الله لا يضيع أجر المحسنين الظن به فمن يجعل له الرحمن ودًا لا تجرى عليه عوارض الشك والإرتياب لأن الأُنس بالله لا يقترن بوحشة أو غفلة أو تقصير فى حضرة الودود جل وعلا .
وسوء الظن بالله مع الإيمان بوجوده ومع دلائل قيوميته هو ما يثير العجب والغرابة فكيف بمن يرى كل الخلائق تنعم فى فضله ورزقه ومع ذلك يقنط ويعرض بجانبه ويسئ الظن بربه وهو أرحم الراحمين ،هنا نجد الخلل فى النفس وتقصيرها فى فهم وتدبر مجريات الحياة وهذا يورث والعياذ بالله التناقض والجفاء الروحى ويقطع حبال الوصل عقابا من الله حتى يعود الضال إلى رشده .
رسالة الله إلينا جميعا أنه لا يريد منا تحصيل وحفظ وترديد المواعظ بكلمات وحكم لا يتم تفعيلها إلى سلوكيات ومواقف وواقع يجب علينا أن نعيشه ، فما أكثر المرشدين وما أقل السالكين ؟! وما أكثر الواعظين وما أقل المتدبرين ؟! ، يقول الإمام جعفر بن محمد رضي الله عنه ( إلتمس لأخيك سبعين عذرا فإن لم تجد فقل لعل له عذرًا لا يعلمه إلا الله ) هنا ننتقل إلى موضع آخر وهو وجوب حسن الظن بالناس وهو نتيجة حتمية لحسن الظن بالله ، هذه الحكمة ليست بها مبالغة عند قراءتها للوهلة الأولى ولكن هى لتحصين أى فرد من أن يقع تحت سطوة الاخرين وفى مرمى أهدافهم بغير تثبت أوبينة وحتى لا يُحاكم الناس بعضهم بعضًا فهذا من إختصاص أولياء الأمور من الحكام وليس من اختصاص الرعيه وتثبيتًا لمشاعر المحبة والتسامح وقيم العدل والحرية وإفساح المجال لمراجعة الأفكار والسلوكيات والعادات المنبوذة أخلاقيا ، لأن إلتزامات الحياة وضغوطاتها وخصوصية الناس عوامل توجب علينا أن نغلب ثقافة حُسن الظن وإلتماس الأعذار ،فالعبرة ليست بظاهر الحكمة ولكن بفهم مقصدها ثم التطبيق بالمفهوم المحمدى الأشمل لا ضرر ولا ضرار.
عندما وقف النبى صَل الله عليه وسلم مع زوجته صفيه على باب المسجد مر عليهما رجلان من الأنصار فسلما على النبى فقال لهما (على رسلكما إنها صفية بنت حيي) فقالا سبحان الله ،فقال لهما ببشاشته الدائمة (إن الشيطان يجرى من إبن آدم مجرى الدم وإنى خشيت أن يقذف فى قلوبكما شيئا)، هذا الدرس النبوى يكمل لنا المعنى القرآنى الكريم (إن بعض الظن إثم) فليس كل الظن إثما ولكن باقى الظن هو للحذر والإحتراس والعصمة من الوقوع فى سوء الظن بلا تثبت ،فهذا النوع من الظن مطلوب لتبرئة النفس والآخرين .وفي عهد عمر بن الخطاب {رضي الله عنه}، جاءته جارية لصفية تخبره بأن صفية تحب السبت وتصل اليهود، فلما استخبر صفية عن ذلك، فأجابت قائلة ” فأما السبت لم أحبه بعد أن أبدلني الله به بيوم الجمعة، وأما اليهود فإني أصل رحمي”. وسألت الجارية عن سبب فعلتها فقالت: الشيطان. فأعتقتها صفية.
لذا علينا أن نعلم جيدا أن من مظاهر حسن الخلق هو تزكية النفس وتدريبها على حسن الظن .
تحضرنى مقولة رائعة للأديبة والشاعرة السورية كوليت خورى نختم بها هذا الحديث عن سوء الظن ،، تقول الشك داء مخيف يدمر النخوة فى النفوس ويقتل المحبة فى القلوب ويطفئ بريق الإيمان فى العينين ..!
دمتم بخير وعافية وحب وتراحم.