أ. اماني الشويب تكتب: أهمية الاستماع عند تعلم اللغة الإنجليزية – من واقع خبرة عملية
تأمل في الطفل الصغير، بعد سنتين يبدأ بالتحدث، بعد 4 سنوات يتواصل مع من حوله بواسطة اللغة بشكل مرضي، هل قَرَأ كتاباً ؟ هل أخذ دروساً في اللغة العربية ؟ هل انضم إلى دورات تأهيلية ؟ لقد تعلم اللغة بشكل تلقائي من المحيط الخاص به، أهم ما استخدمه لتعلم اللغة هو الأذنين، طبعاً مع البصر وكذلك العقل الذي يحلل ويربط ويتذكر، لكن أهم حاسة تم استخدامها هي حاسة السمع. لذلك، نحن نقولها لك بالمختصر المفيد، الاستماع هو الأهم، طبعاً لا يكفي لوحده، لكن هو النشاط الأساسي لكل من يريد إتقان اللغة الإنجليزية.
لقد كان تَعلُم اللغة الإنجليزية (أو أي لغة أخرى) في الماضي أمر صعب، وخاصة إن قررت أن تتعلمها بنفسك (تعلماً ذاتياً)، كان من الصعب الحصول على مصادر مرئية ومسموعة، لم يكن هنالك سوى الكتب التعليمية والقواميس المكتوبة، وبدون الاستماع كانت اللغة تنشأ في عقل الشخص بشكل مشوه، بنطق غير سليم، ربما يعرف الكثير من الكلمات لكن نطقه لها غير صحيح 100%، ربما يعرف الكثير من القواعد لكنها تبقى في عقله كمعلومات فقط، يصعب عليه التحدث باللغة وعندما يستمع إلى المتحدثين الأصليين لا يفهم شيء. لكن الآن تغير كل شيء، أصبح بالإمكان إتقان اللغة بالطريقة الصحيح.
من خلال تجربتي الشخصية
خلال السنوات الماضية، أصبحت مهتماً باللغة الانجليزية وبالطرق الفعالة لإتقانها، طرق التعلم الذاتية لأني قررت منذ سنوات أن أتوقف عن أخذ الدورات التدريبية التي كانت تضيع الكثير من الوقت وتعطي القليل من النتائح، فعبر تلك الدورات سوف تتعلم الأساسيات وبعض القواعد وسوف تصل إلى مرحلة وسطية، لكنك سوف تتوقف في تلك المرحلة وستجد نفسك عالقاً فيها، عندما تتعلم الانجليزية عبر الدورات التدريبية فقط سوف تجد صعوبة وممانعة في الانتقال من المرحلة الوسطى -أو حتى المتقدمة- إلى الطلاقة (fluency)، فما هو السر والحاجز الذي يمنعك من الصعود؟
إنه الاستماع، عدم الاستماع المكثف للغة الانجليزية هو العائق أمامك لإتمام رحلتك، أنت بحاجة لبعض الأساسيات في اللغة وبعض القواعد في البداية ثم يجب عليك مواصلة السفر والانطلاق عبر مركب الاستماع. (استماع + تعلم الكلمات + قليل من القواعد) هذه هي الوصفة التي تحتاج إليها أثناء رحلتك، يمكنك تعلم القواعد في الأثناء، فالقواعد ليست أمر محوري في هذه الرحلة.
لقد مررت بمراحل كثيرة أثناء تعلمي للغة الانجليزية، منها مرحلة الاستماع المكثف، حين أدركت أنها الوسيلة الأساسية لتحسين اللغة بشكل فعال والاستمرار في الصعود، لقد لمست أثرها الإيجابي في لغتي الانجليزية وعند التحدث بها مع الآخرين، لاحظت الفرق الكبير بيني وبين الآخرين الذين لم يهتموا لأمر الاستماع كما اهتممت به أنا، لقد أصبح الاستماع لحلقات البودكاست الانجليزية أحد أنشطة يومي الروتينية، أخرج لأتمشى وأستمع، أذهب في مشوار وأستمع، أنتظر في عيادة الدكتور وأستمع، لقد أصبح الهاتف والسماعة رفيقتا دربي، فبهما يمكنني الاستماع للغة الانجليزية في أي وقت وبكل بساطة.
لذلك .. عزيزي القارئ، أنا احدثك اليوم بناءً على تجربتي الشخصية، ليس كلاماً نظرياً مأخوذا من هنا وهناك، إنما هي كلمات وجمل نابعة من قناعتي، تلك القناعة التي تكونت عبر رحلتي الجميلة في سبيل إتقان اللغة الانجليزية.
الأشياء الأخرى عبارة عن أمور تكميلية، فمثلاً؛ الطفل يستمع إلى الكلمات والجمل بشكل متكرر في المحيط الذي يعيش فيه، ثم تأتي المشاهدة بالعين لتربط تلك الكلمات بالأشياء من حوله وبالأفعال، فهو يستمع مثلاً إلى كلمة (طعام) وكل مرة يستمع إليها يجد هنالك شيء فوق المائدة يقوم الأب أو الأم بإدخاله في فمه، حينها يستمتع بالطعم، يقوم العقل بربط ذلك الشيء الممتع بذلك الصوت الذي يسمعه بشكل متكرر (كلمة “طعام”).
يتكرر الأمر بشكل يومي، يتكرر هذا الصوت وهذه النغمة (كلمة طعام) ويرتبط الأكل والوجبات بهذا الصوت، حينها يقوم العقل بعمل رابط بين ذلك الصوت (الذي هو نطق كلمة طعام) بذلك الشيء (الذي هو الطعام ذاته)، وهنا عملياً يتعلم الطفل كلمة جديدة، لكنه تعلم أولي يحتاج لتأصيل أكثر ومعرفة أوسع، عموماً، في المرات القادمة حينما يسمع عقل الطفل ذلك الصوت وتلك النغمة (طعام) سيبتهج ويفرج لأنه سيتلقى وجبة دسمة تشبع جوعه.
إذاً الاستماع أتى أولاً ثم المشاهدة التي تربط الكلمة بالمعنى، تلك المشاهدة التي يمكن للكبير الآن الاستغناء عنها وتبديلها عند معرفة معاني الكلمات عبر القواميس، لكن طبعاً يجب أولاً أن يتلقى الكلمة صوتياً، لا يكفي أبداً أن تتلقى الكلمة كتابياً، صوت الكلمة أهم من شكلها ومن كتابتها، شكل الكلمة والتهجئة الخاصة بها أمر يفيدك في تطوير مهارة الكتابة، وهذا أمر آخر ومهارة متقدمة.
نتعلم اللغات بالاستماع أولاً، ثم النطق، فالقراءة، وأخيراً الكتابة، هكذا يتعلم الطفل لغة
يجب أن نحدد الهدف من تعلم اللغة الإنجليزية (وأي لغة أخرى) وأن يكون هذا الامر واضح أمامنا ونحن نتعلم، أنت تتعلم كي تصبح اللغة أداة للتواصل مع الآخرين، هذا هو الهدف الأساسي وما عدى ذلك يعتبر أهداف فرعية، أن تجتاز اختبار أو تحصل على شهادة …الخ، كل هذه أهداف فرعية، إن جعلت أي هدف فرعي هو الهدف الأساسي فصدقني سوف تتعب كثيراً ، الأفضل لك أن تطلب العلى وأن تجعل من القمة هدفاً لك، وأثناء صعودك نحو القمة، سوف تمر بجميع الأماكن البارزة، سوف تحصل على الشهادة، وتجتاز الاختبار، وتحصل على كل ما تريد من وراء اللغة. يمكنك مشاهدة لمعرفة المزيد عن هذا الأمر.
الاستماع هو الجانب العملي
أنت تتعلم اللغة الانجليزية، في الجامعة أو المعهد أو حتى تعلماً ذاتياً في المنزل، تتعلم القواعد وتحفظ الكلمات وتفهم تركيب الجمل و ….الخ، كل ذلك أمر جميل في مسألة تعلم اللغة الانجليزية، لكن لا تنسى أنك لا زلت في الجانب النظري، كل تلك الجهود التي تبذلها في تعلم اللغة هي الجانب النظري، طيب إذاً، يبقى أن تهتم كذلك بالجانب العملي، هذا أمر طبيعي في تعلم أي شيء في الدنيا، الجانب العملي امر مهم. أما في اللغة بشكل عام فالجانب العملي هو الأهم.
تلك القواعد التي تعلمتها، ما الفائدة منها إن لم تستخدمها، انت تحتاج لاستخدامها عند التحدث والكتابة، دعنا من الكتابة حالياً لأن هذه المهارة تأتي بشكل متأخر، لكنك قبل ذلك تحتاجها عند التحدث، ومهارة التحدث لن تتطور أبداً بدون الاستماع، ليس الاستماع فقط ولكن الاستماع المكثف. كذلك هو الحال بالنسبة لتلك الكلمات التي تحفظها عبر الكتب أو القراءة، وتستمر في المراجعة كل يوم، لن تترسخ في عقلك بشكل كامل مالم تستمع إلى اللغة الانجليزية بشكل يومي.
باختصار، الاستماع هو أهم الجوانب العملية عند تعلم اللغة، طبعاً التحدث يعتبر جانب عملي، لكن التحدث لا يتطور لديك بدون استماع، وكذلك الكتابة هي من الأمور العملية، لكن الكتابة تتطلب استحضار جيد للكلمات والمصطلحات، تلك الكلمات التي لن تترسخ في عقلك إلا بالاستماع المتواصل، إذاً “كل الطرق تؤدي إلى روما” .
الاستماع لترسيخ حفظ الكلمات
هذه النقطة تعتبر من اهم الفوائد التي يجنيها الشخص من الاستماع إلى اللغة الانجليزية، ألا وهي ترسيخ حفظ الكلمات، هذه النقطة رغم أهميتها، إلا أنها لا تُذكر ولا يشار إليها في العديد من المقالات والفيديوهات التي تتناول مهارة الاستماع عند تعلم اللغات، لذلك، أعرني انتباهك قليلاً عزيزي القارئ.
تخيل أن الذاكرة لديك مقسمة إلى مستويات أو طبقات، الطبقات الخارجية هي التي تحتفظ فيها بالمعلومات والأشياء لمدة زمنية بسيطة، قد تكون يوم أو أيام ، ولكما تعمقت أكثر في الطبقات كلما كانت الذاكرة أقوى وفيها يتم الاحتفاظ بالمعلومات والبيانات لمدة أطول.
عندما تقوم بحفظ الكلمة للمرة الأولى فكأنما تقوم بإضافتها إلى الطبقات العليا من الذاكرة، سوف تنسى تلك الكلمات سريعاً إن لم يتم نقلها إلى الطبقات الأعمق، لكن كيف يتم نقل الكلمات الانجليزية إلى طبقات أعمق في الذاكرة؟ أو لنحور السؤال إلى الآتي: ماهي أفضل الطريق لتخزين الكلمات في الطبقات الأعمق في الذاكرة من أجل عدم نسيانها بسرعة؟ سأجيبك وأقول: .
عندما تستمع كل يوم لساعة أو ساعتين، سوف تمر على عقلك آلاف الكلمات، بعض تلك الكلمات قد مرت عليك والبعض قد حفظتها سابقاً لكنها دخلت إلى مستويات الذاكرة الخارجية فقط، لذلك فأنت لا تستخدمها في الغالب أثناء الكتابة والتحدث، لأنك عندما تتحدث تستدعي مخزون الكلمات الداخلي في طبقات الذاكرة العميقة (الذاكرة طويلة المدى) أو (العقل اللاواعي) فهي تندفع بسهولة وتخرج بتلقائية من هناك.
كما قلنا، عندما تستمع تمر على عقلك الكثير من الكلمات وخاصة تلك المخزنة في طبقات العقل الخارجية، عندما تمر الكلمة على العقل في سياق مختلف وبطريقة مختلفة يبدأ العقل باسترجاعها وتذكرها وربطها بكلمات وعبارات أخرى، وحينها تنتقل إلى مستوى أعمق في الذاكرة، ومع الاستمرار في الاستماع ستمر تلك الكلمة نفسها مرة بعد مرة وفي كل مرة في سياق مختلف وعبر جمل متعددة، ومع تكرار ورود الكلمة في أكثر من سياق سوف يربط العقل تلك الكلمة بغيرها من الكلمات المحفورة في الطبقات العميقة، ومع كثرة الورود سوف تهبط الكلمة تدريجياً حتى تستقر في الطبقة السفلى من الذاكرة (العقل اللاواعي) وحينها لن تنساها أبداً بإذن الله.
بقلم: أ. اماني الشويب
معهد التمريض