كتاب أكاديميا

بشار العثمان يكتب : جامعتك وهمية؟ (2)                                

  

بعد الصدمة والذهول من سؤال الطالب الصاعق “أستاذ أنت جامعتك وهمية؟” لزميلنا العزيز مضي وهو يحدث نفسه ويتساءل ويتصور ويفترض، وانتهي به المطاف بحوار مع شخص وهمي بدأ به زميلنا على النحو التالي:
جامعة وهمية تعني لا مباني جامعية ولامكتبة علمية تحتوي على أحدث المراجع والكتب ولا عمادة ولا قسم علمي ولا أعضاء هيئة تدريس ولا طلبة منتظمين بالدراسة، ولا رسالة تم إعدادها ولا مرشد علمي قام بالإشراف عليها ومناقشتها وبحضور الممتحنين الخارجيين.
كل ما هنالك أن تقوم بزيارة للمدير المزيف وتجلس معه لمدة ساعة تتفق فيها على نوع الشهادة والتخصص المطلوب ومتى ترغب في الحصول عليها، وهل تريدها مع مرتبة الشرف أو بدون شرف، وأثناء احتساءك للقهوة الأمريكية مع المدير تتذكر أنك تريدها على وجه السرعة وأنك سوف تغادر إلى أوروبا لتمضية الإجازة في ربوعها، وتذكره بدوره بمراسلة جهة عملك بانتظام وإبلاغهم أنك مواظب على الحضور وأنك متقدم في دراستك وبحثك، ولم تواجهك أي صعوبات تذكر في البحث أو في جمع المعلومات أو غيرها من مشاكل، ويحدد لهم التاريخ المتوقع فيه تخرجك من الجامعة.
وبعد خروجك من مكتب المدير تصادف زميلك الوهمي والذي يزور الجامعة الوهمية لأول مرة أيضاً، وتعلو وجهه الابتسامة لأنك سبقته بالدخول إلى المدير مع أنه هو الذي ساعدك في الحصول على القبول وتتبادل معه النكت والضحكات وكيف قمتما بالاحتيال على الجميع (القسم ،الكلية ،الهيئة، الوزارة)، وأنكم قاب قوسين أو أدنى من لقب دكتور وقد اختصرتما الطريق إليه وأختزلتما السنوات بشهور، لا بل بأسابيع، وأنكم لن تكتفيا بذلك ك، وسوف تطالبان بمكافأة التخرج مبكراً قبل المدة المحددة لكما.
وهنا تكالبت أصوات الوهميين على زميلنا، فقالوا له إن جامعتنا ليست وهمية والدليل على ذلك أننا حصلنا على الترقية بكل سهولة ويسر ودون عناء أو اللجوء إلى القضاء، ليست وهمية والدليل أننا ألفنا الكتب وبصدد التأليف أكثر، ليست وهمية لأننا قمنا بعمل الدراسات والبحوث التي تفيد المجتمع، ليست وهمية لأننا قدمنا للحصول على وظائف إشرافية وقيادية وبصدد الحصول عليها، ليست وهمية لأننا خرجنا أجيال يعتمد عليهم المجتمع، ليست وهمية والدليل أن الطلبة يسجلون لدينا دون غيرنا، ليست وهمية لأننا اتبعنا جميع الإجراءات الصحيحة والقانونية، فهل يعقل أن يتم ابتعاثنا لجامعة وهمية، إن جامعتنا ليست وهمية لأن الحكومة اعترفت بشهاداتنا فكيف تدعون الوهم، كل ما هنالك أن الجامعة التي تخرجنا منها أقفلت واكتفت بالنخبة التي تخرجت منها، ونحن الآن نعتبر عملة نادرة فكيف نكون وهميين.

وهنا مضى زميلنا مرة أخرى وصدى سؤال الطالب بذهنه يدعوه إلى التحضير لتساؤلات أخرى.
تصور عزيزي القارئ ، لو أن عدداً لا بأس به قد حصلوا على شهادات الدكتوراه من جامعات وهمية فماذا سيكون عليه حال التعليم؟ وما هو حال الأقسام العلمية؟ وما هو حال مستوى الخريجين؟ وماهي نوعية الشهادات التي تمنح لهؤلاء الخريجين من الطلبة؟ ومن سيعترف أكاديمياً ببرامج تلك الأقسام ويمنحها الاعتراف والاعتماد؟ وماذا سيفعل الخريجين عند انخراطهم بسوق العمل وهم متحمسين ومندفعين ومتخرجين من أقسام علمية بعض أساتذتها خريجي جامعات وهمية ليس لها وجود؟
إن من يتخرج من هذه الجامعات المزيفة الوهمية والتي لاكيان لها قد أجرم في حق نفسه أولاً، وفي حق جموع الطلبة الذين قام بتدريسهم وفي حق المجتمع الذي ينتمي إليه.

جامعتك وهمية؟ لأ، ليش تسأل؟
بقلم : بشار العثمان 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock