شهادة الزور وأثرها السيء على المجتمع..بقلم: د. سحمي عبد الله العجمي

شهادة الزور وأثرها السيء على المجتمع
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فشهادة الزور سبب لزرع الأحقاد والضغائن في القلوب، لأن فيها ضياع حقوق الناس وظلمهم وطمس معالم العدل والإنصاف، ومن شأنها أن تعين الظالم على ظلمه وتعطي الحق لغير مستحقه، وتقوض أركان الأمن، وتعصف بالمجتمع وتدمره
ونظرًا لما لشهادة الزور من أضرار ومخاطر على الأفراد والمجتمعات فقد ورد ذمها في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما [الفرقان : 72]. ويقول فاجتنبوا الرجسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْل الزور) [الحج: من الآية 30]. ويقول: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ منكراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) [المجادلة: من الآية 2) وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ( ثلاثا ) ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : الإشراك بالله و عقوق الوالدين وجلس وكان متكنا فقال : ألا وقول الزور ” قال : فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت» [صحيح البخاري (6273]، قال ابن حجر في قوله: ” وجلس وكان متكناً ” يشعر بأنه اهتم بذلك حتى جلس بعد أن كان متكنا، ويفيد ذلك تأكيد تحريم الزور وعظم قبحه، وسبب الاهتمام بذلك كون قول الزور أو شهادة الزور أسهل وقوعًا على الناس، والتهاون بها أكثر، فإن الإشراك ينبو عنه قلب المسلم، والعقوق يصرف عنه الطبع، وأما الزور فالحوامل عليه كثيرة، كالعداوة والحسد وغيرها. فاحتيج للاهتمام بتعظيمه وليس ذلك لعظمها بالنسبة إلى ما ذكر معها من الإشراك قطعا ، بل لكون
مفسدة الزور متعدية إلى غير الشاهد بخلاف الشرك فإن مفسدته قاصرة غالبا. فشهادة الزور من أعظم وأفظع المنكرات، فهو هنا لم يقل لا يشهدون بالزور، وإنما قال: ((لا يشهدون الزور)) سواء قل أو كثر، فشهود الزور بأن يحضر مجلسا فيه لغو ولعب، وإن كان لن يعمل معهم ذلك. ولكنه لا ينكر عليهم، فهذا شهد مشهدا باطلا لا ينبغي له أن يشهده.
فشاهد الزور واقع في أكبر الكبائر لأن الإثم فيها ليس على نفسه فقط، ولكن على هذا الذي شهد عليه زورا، فقد ضيع حقه، فبدل أن يأخذ الحق بشهادة هذا، يضيع الحق منه إلى غيره
وشهادة الزور هي الكذب متعمدا في الشهادة، فكما أن شهادة الزور سبب لإبطال الحق، فكذلك كتمان الشهادة سبب لابطال الحق
وما أكثر شهادة الزور وكتمان شهادة الحق في هذا الزمن، ولعظم خطرها قرنها النبي صلى الله عليه وسلم بالشرك وعقوق الوالدين، فإن شهادة الزور سبب للظلم والجور وضياع حقوق الناس في الأموال والأعراض، وظهورها دليل على ضعف الإيمان وعدم الخوف من الرحمن
وفي زمننا هذا تعددت أشكال وصور شهادات الزور، وليس بالضرورة أن تكون شهادة الزور داخل المحاكم أو ما يتعلق بالمعاملات المالية فحسب، فإعطاء إجازة مرضية لمن ليس مريضا شهادة زور، ومنحمتعلم درجة علمية لا يستحقها ونالها بغش وتدليس شهادة زور، ورفع تقرير كفاءة عال عن موظف مهمل مقصر كسول شهادة زور، وربما يتبادر للذهن أن مثل هذه الصور لا تشكل ضررًا لأحد حتى مع كونها تحديثا للكذب، ولكن بنظرة فاحصة يتبين أن فيها غشا للأمة، وتضييعا للأمانة، وتقصيرًا في واجبات العمل، وظلما للموظفين المخلصين، وإجحافاً في حقوقهم وغير ذلك من الآثار الوخيمة.
فشهادة الزور جرم عظيم، لأنها تقلب الحق باطلا والباطل حقا، بحيث تدمر المجتمعات أفرادا وأسرا وتضيع الحقوق، ويفلت الجناة من يد العدالة، ويسببها ينتشر الظلم والفساد.. ولذلك حذر الرسول الكريم من مغبة الوقوع في هذا الجرم العظيم محذرا من الوقوع في براثنها التي لا تقتصر على مرتكبها وحده بل تشمل آثارها السلبية الأفراد والمجتمعات بحيث تضيع الحقوق وتصبح لغة الزور الشغل الشاغل لهؤلاء الأصناف الجاحدة، لقول المصطفى إياكم وشهادة الزور فشهادة الزور تظل داء مميتا .. تهدر
بها الكرامة الإنسانية وتستبيحها وتقض مضجعها . فما أعظم ضرر شهادة الزور على المجتمع لما يترتب عليها من مفاسد وارتكاب المحرمات، وما تحدثه من حقد وضغائن، وانتشار للفوضى، وبليلة أفكار، ووقوع في الرذائل وبعد عن الفضائل، وما يحصل للشاهد
نفسه من مضاء : 101 100 0 رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لن تزول قدم شاهد الزور حتى يوجب الله له النار) : رواه ابن ماجه والحاكم
وحفاظا على كيان المجتمعات وترابط أبنائها، عليهم التحلى بالصدق واجتناب الكذب وترك شهادة الزور التي هي في الأصل إحدى عظائم الذنوب التي توصل صاحبها إلى النار والعياذ بالله.
بقلم د. سحمي عبد الله العجمي