كتاب أكاديميا

مراسيم المناصب القيادية والتفكير من داخل الصندوق.. بقلم: أ. د. فيصل الشريفي

إصدار المراسيم الرسمية من المفاهيم الإدارية التي عادة ما يتم استخدامها، حيث يُعتبر هذا الإجراء جزءاً من عملية الشفافية لمشروعية التعيين والمساءلة القانونية، وكذلك جزءاً من السجلات الرسمية التي يمكن الرجوع إليها في المستقبل، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمناصب ذات المسؤوليات الواسعة. ولبلوغ أعلى درجات النزاهة عند اختيار القيادي يتم وضع معايير مفاضلة بين المرشحين تقوم عليها لجان مستقلة من الخبراء تقيّم المؤهلات العلمية والخبرات المهنية والقدرات المعرفية والمهارية والاستقامة الشخصية لكل مرشح، كما أن الحكومات الجادة تحرص على تأهيل وتدريب شاغلي الوظائف الوسطى من خلال تدريبهم وتأهيلهم لسدّ أي فراغ وظيفي بالمناصب القيادية. ع
مومًا معظم المناصب القيادية مقيدة بمدد محددة تتراوح عادةً بين 3 و5 سنوات، تكون قابلة للتجديد لمرة واحدة أو الإقالة بناءً على أداء وكفاءة القيادي من خلال إجراء تقييم موضوعي دوري ربع سنوي. اليوم وفي ظل ما تعيشه الحكومة من فراغ إداري كبير شمل معظم وزارات ومؤسسات الدولة، والذي يعد التحدي الأكبر لحكومة سمو رئيس الوزراء في تسكين هذا الكم من المناصب القيادية بأسرع وقت… هذه الإشكالية تتطلب التفكير من داخل الصندوق بهدف تفادي تداعيات سوء الاختيار وتضخم الهياكل التنظيمية الذي ينعكس سلبًا على برامج التنمية، ويدفع ثمنه الوطن والمواطنون، ومنها على سبيل المثال دمج المؤسسات غير الفاعلة والاستعاضة عنها بتخفيض مستواها الهيكلي إلى مستوى إدارة أو قطاع، والشروع بإلغاء إصدار المراسيم الأميرية ذات الطابع الفني والإداري من منصب وكيل وزارة مساعد وما يعدلها وترك حرية الاختيار والتعيين بيد الوزير المختص دون سواه، مع المحافظة على الحقوق المالية. تحرير المناصب القيادية ذات الطابع الإداري والفني من المراسيم الأميرية سيسمح بتوسيع قاعدة اختيار الأكفاء والقضاء على ظاهرة المحاصصة والأهواء، كما أن من شأنها دفع الموظفين المتميزين إلى المزيد من العطاء والإبداع، ولنقرب مفهوم التحرر من مراسيم المناصب القيادية ذات الطابع الإداري والفني سنعرج على التجربتين الأميركية والبريطانية باعتبارهما من الدول المتقدمة والمتطورة إداريًا واقتصاديًا مقارنة بالدول التي تتوسع في استخدام المراسيم الرسمية، فمجموع المراسيم القيادية في الولايات المتحدة الأميركية بحدود 1200 وظيفة تشمل المناصب الوزارية والسفراء ورؤساء الوكالات الفدرالية والقضاة الفدراليين، وهذا غير المناصب التي تعرف بذات الثقة.
أما في بريطانيا، فإن الوظائف القيادية العليا يتم شغلها عادةً من خلال التعيين المباشر ومن رئيس الوزراء أو وزراء الحكومة المعنيين، ومع ذلك هناك بعض المناصب الرفيعة التي تتطلب إصدار مراسيم ملكية وتوقيع الملك بناءً على توصية الحكومة لتصبح نافذة مثل كبار القضاة ورؤساء بعض الهيئات المستقلة والسفراء والدبلوماسيين والمناصب العسكرية العليا. بالنظر إلى آلية صدور المراسيم الرئاسية القيادية في كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفي معظم الدول المتقدمة نستنتج أن هذه المراسيم مرتبطة بنوعية محددة من الوظائف ذات المهام الخاصة التي يستحوذ على أغلبها القضاء، لكن في المقابل ليس من بينها منصب بدرجة وكيل ووكيل وزارة إلا إذا كان المنصب تنطبق عليه صفات «ذات الثقة»*.
مفهوم ذات الثقة من الممكن استخدامه وإطلاقة على بعض الشخصيات الاعتبارية كمستشاري سمو الأمير وسمو ولي العهد وأيضًا على بعض المناصب ذات الطبيعة الحساسة، كمحافظ البنك المركزي ورئيس ديوان المحاسبة، وغيرها من المناصب الرقابية، لذلك فإن المطالبة بتحرير الحكومة من إصدار بعض المراسيم لا يدخل ضمن التفكير خارج الصندوق، إنما ضمن الحلول الديناميكية والعملية التي تسمح بالمرونة ومواكبة المستجدات.
* المناصب «ذات الثقة» هي تلك المناصب الحكومية التي تتطلب قدرًا عاليًا من النزاهة والكفاءة والمصداقية والمؤهلات والولاء المطلق للسياسات العليا للدولة. ودمتم سالمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock