دكتوراه أم فشخوراه؟
في صباح يوم ١١-٥-٢٠١١ وقد صادف دخولي في عقدي الثالث من عمري بقليل قررت أن أكمل دراستي للدكتوراهفي تخصص التاريخ! من عادتي التي لا أدري ممن اكتسبتها لكنها بكل تأكيد من انسان هي أنني اذا اتخذتقرارا مصيرا في ثواني اجلس مباشرة لأكتب مميزات هذا القرار وما هو النفع الذي سأجده من وراء ذلك القرار؟ولذا أحضرت ورقتي وقلمي التي لا زلت احتفظ بها في محفظتي وكتبت مميزات وعيوب دراسة الدكتوراه في تاريخالكويت في بريطانيا!
وجدت بصراحة أن جميع الجوانب المادية التي كنت فيها قبل تقديم استقالتي من البنك وبدأ الدراسة أفضل بكثيرمن مميزات الحصول على الدكتوراه سواء كنت مبتعثا أو على حسابك الخاص ففي كلا الحالتين برقبتك دين اماللدولة أو لمدخراتك! لكن عند خلع نظارة المادة التي نرى في الغالب من خلالها العالم وجدت أمورا كثيرة ومميزاتأكثر وعيوبا لا بأس بها في قضية اكمال دراسة الدكتوراه في الغرب، سأضع لكم جدولا به المميزات والعيوب التيكتبتها أو مره بعد استيقاظي من النوم قبل اربع سنوات وهل لا تزال حقيقية أم انها كانت مثاليات وأحلام ورديةعشتها في تلك اللحظة! لكي أكون صادقا وجدت الاحلام الوردية ملونه بألوان عديدة والحقائق التي كتبتها بعضهاحقيقة وبعضها كلام فاضي!!
.
مميزات دراسة الدكتوراه
خوض تجربة الغرب والعيش في حضارة أخرى
فشخره!
اتساع المدارك
لان من اهدافي في الحياة هو التأليف الدكتوراه ستساعدني على ذلك كثيرا
اجادة ابنائي للغة الإنجليزية وبطلاقة
سأحقق انجاز لذاتي وسأشعر بالفخر!
معرفة تاريخ بلدي بصورة علمية وبعدها بإمكاني ان اساهم في تطوير البلد
احترام الاخرين العلمي لي فدرجة الدكتوراه اليوم بداية طريق التخصص والمكانة العلمية
عيوب دراسة الدكتوراه
خسارة المميزات المادية الحالية وعدم القدرة على الادخار
عدم وجود وظيفة مضمونه بعد التخرج
الضغط النفسي بعد اتخاذ القرار من المجتمع
تخصصي التاريخ غير مطلوب في سوق العمل وليس له تأثير كبير لعدم وجود جامعات او مراكز بحوث
الاخلاق العامة للغرب لا تناسب طريقتي في تربية ابنائي
قد لا أتمكن من الانتهاء من الدراسة لاسباب عديدة مادية معنوية اكاديمية!
حرج اجتماعي كبير في حال نشرت حقائق لا تناسب بعض أطياف المجتمع كوني سأصبح مؤرخ والمؤرخ قاضي
قد ينتهي حالي كما انتهى حال الاف ممن اكلموا الدكتواره لكنهم لم يطوروا حالهم!
.
بعض النظر عما كتبته لكن أكثر ما شدني كان كتابتي لكلمة فشخره! وتساءلت هل فعلا الفشخرة نعتبرها ميزه! وكم أسفت انني كتبتها وكم راودتني نفسي بأن لا اضعها هنا لكن مما علمتني دراسة الدكتوراه أن أكون امينا في النقل ولو على نفسي ، وهذا موضوع آخر سنناقشه في مقالات لاحقة، نعود للدكتوراه هل هي فشخرة أم درجة علمية؟ عندما بدأت دراستي للغة كان أحد اهم اهدافي هو تجاوز اختبار الايلز ، اختبار اللغة الإنجليزية، ودخول برنامج الدكتوراه دون التفكير في أي أمر آخر أو محاولة التعمق لماذا اكمل دراستي ولو عاد بي الزمن لقرأت كل ما كتب بالانجليزيه عن الموضوع فتقوى اللغة عندي وأفهم تفاصيل ما أن مقدم عليه!
الفشخرة في مجتمعاتنا العربية منتشرة في أواسط المثقفين ، فتجده عندما يتكلم عن نفسه يضع “نا” التفخيم بشكل مقيت في أحيان كثيرة ، فتجده يقول ” قد قلنا في محاضرة لنا!” ، “في بحثنا الذي نشرته لنا مجلة كذا أشرنا!” ، ” رأينا في هذا الموضوع” وغيرها من عبارات التفخيم الفضفاضة التي لا يستحقها كثير ممن يقولها. هنا في الغرب هذه الألقاب ليس لها أهمية فقد تعرفت على بروفسور في السبعين من عمره وكنت أسميه برفسور فلان فطلب مني بكل صراحة أن لا أناديه سوى باسمه! وعندنا لم أعرف أنا على الأقل وان كنت متأكد من وجود بعض الأشخاص الذين يطلبون من الطلبة أن ينادوهم بأبي فلان بدل دكتور أو أن تناديهم بأسمائهم، ولكي لا يأتيني متذاكي وما أكثر في عالم الانترنت اليوم ويقول هنا في الغرب بعضهم يصر على أن تناديه بلقب دكتور أو برفسور وأقول لك هذا صحيح جدا يا عزيزي لكن الأصل هنا هو التواضع!
فشخرتنا العلمية في رأيي مبنية على سببين رئيسيين الأول هو أن جامعاتنا تدعوا الى ذلك في البيئات العلمية عندنا وفي الكويت تحديدا غير علمية فسواء اجتهد أم لم تجتهد فراتبك موجود وثابت وقد أخبرني صديق لي بأنه طلب اجازه علمية من القسم فكان الرد أن بحوثك لن تنفعك كثيرا لكن الزيادة المالية التي ستجنيها من خلال تدريس الفصل الصيفي أو من خلال أخذ محاضرات أكثر أفضل لك من البحث العلمي! وهذا والله طامة كبرى في مؤسسة علمية. ولكي نعطي الدليل ولا نطلق الكلام على عواهنه هذا تصنيف جامعة الكويت حسب ما نشرته جريدة سبر في العام الماضي ولاحظوا معايير التقييم. بل أكثر من ذلك بعض أعضاء هيئة التدريس في الجامعة لا يكتبون بحوثهم بأنفسهم انما يستعينون بآخرين! وهذا لا يمكن اثباته لعدم وجود جهات حيادية في مجتمعاتنا تقسيم مثل هذا السلوك لكن لكم أن تبحثوا بأنفسكم وستجدون أن ما قلته في كثير من الصحة! السبب الثاني للفشخرة العلمية هو المجتمع ذاته فنحن دائما ما نصب هالة من الاحترام الزائف على رموزنا السياسية والدينية والثقافية فنجعل منهم أبطالا من ورق وهذا لا يعني التعميم فالكثير منهم يستحقون مثل هذه الهالة وعلى الأقل ي تخصص قريب من تخصصي الدكتور خلدون النقيب رحمة الله فهو ممن له وزن علمي كبير وله كذلك قدر في القلوب والدكتور غانم النجار كذلك من الشخصيات المتميزة في مجتمعنا وله تمثيل دولي وبحوث رائعة ورأي معتبر لكن أقول في الغالب نحن نجعل من كل من حمل لقبا شخصا مميزا! وأذكر أنني كتبت مرة مقالا في هذا الخصوص هل يكبرنا اللقب؟بعد مناقشتي لدكتور قبل أكثر من ٧ سنوات فلكونه دكتور والمكان أعطاه قدسية اذا هو لا يُمس!
الدكتوراه اليوم هي مرحلة مهمة لطالب العلم في أي مجال فهي بداية التحصرم في رحلة الزبيب وهي بداية فهم الأمور بمنظور أعمق مما يراه الناس فبعد تجاوزك لمناقشة الدكتوراه يفترض أن قد بنيت نفسك علميا وفهمت أن النقد المنهجي أساس كل بحث وأن المنهجية هي الخريطة التي تقودك للوصول الى هدفك العلمي والاطار النظري يساعدك على التحليل والعاطفة تهوي بك في أسفل سافلين! ، الدكتوراه هي أولى القمم التي يصلها الانسان الطامح للمجد العلمي وهي أقل هذه القمم جمالا وعلوا فبعدها قمم لا حصر لها إلى أن ينتقل الانسان للرفيق الأعلى ، الدكتوراه هي مفتاح التواضع فالطالب قبل التخرج يكون دائم الاحتكاك بغيره من الباحثين أو حاملي الشهادة والغالب يجد حرجا من مناقشتهم لكونه لا يزال طالبا فيتواضع ولا يقاطع ويجامل ولو ادرك تمام الادراك أنه على صواب! لماذا يفعل ذلك لأن تواضع للعلم وبحث عن المعلومة أليس من باب أولى أن يزداد التواضع بعد الحصول على الدرجة!
أعزائي المتفشخرين بشهاداتكم إما أن تثبوا أنكم تستحقون هذه الفشخرة من خلال انتاجكم العلمي ومساهماتكم البحثية الحقيقية، وأقصد هنا بالحقيقة تلك التي يعجب بها أقرانك واساتذتك في الحقل العلمي الذي تعمل به وليس عامة الناس الذين لا يفهمون بعمق ما كتبت فتعجبهم أفكارك وان كانت سطحية ويمتدحونها ، ارتقائك بذاتك يا من حصلك علي شهادة الدكتوراه هو ارتقاء للمجتمع لأنك قدوة ونموذج للكثير من الطلاب الذين تحتك بهم ، انتاجك العلمي هو تطوير لبلدك وللجيل القادم فاحرص على البحث الذي تجد فيه نفسك ويجد بلدك من ورائه منفعه ولا تكتب لكي تترقى فقط! نحتاج لحملة دكتوراه لا حملة فشخرة وثياب مزخرفة وعقول فارغة!
.
عبدالرحمن الإبراهيم
باحث دكتوراه في تاريخ الكويت الحديث – جامعة أكستر