كتاب أكاديميا

رابطة النزهاء والتوافقات النيابية.. ولا عزاء للتعليم..بقلم: د.فلاح الهاجري

لقد سمعت من بعض نواب مجلس الأمة خلال الأسابيع الماضية، ونحن في خضم معترك اختيار مدير الجامعة، أنّهم بصدد الحرص على التوافق النيابي الذي هو بالنسبة لهم أهم بكثير من جامعة الكويت وقضايا التعليم!

لقد ذكّرني ذلك برواية قرأتها منذ فترة وتحمل عنوان «العدد صفر»، وملخصها: أنّ أحد مقتنصي الفرص كان يحاول أن يصل إلى درجة التأثير القوي في الأوساط الاقتصادية والمالية والسياسية، وقد أوجد صحيفة أطلق عليها «صحيفة الغد»، وكان من خلال هذه الصحيفة يريد أن «يربِّط عصاعص» بين نخبة القوم. وفي سبيل تحقيق ذلك، قال رئيس التحرير لصحيفة الغد الأستاذ «سيماي» في أحد الاجتماعات: «ينبغي كتابة مقال أساسي عن النزاهة»، ثم دعم فكرة «رابطة النزهاء» التي في حقيقتها قد تحولت إلى رابطة لئام، لأن غايتها الأساسية ترتبط بإيجاد نخبة متعاونة بغض النظر عن موضوع تعاونهم!

في الحقيقة؛ مفردة: «يربِّط عصاعص» هي مفردة تتشابه إلى حد ما مع «التوافقات»، وبالأخص في سياقها السياسي حينما تكون هي بحد ذاتها الهدف. لذلك أخشى أن تكون تكلفة ذلك التوافق أكثر بكثير من تكلفة آفات الفساد التي استشرت في البلاد، ومنطلق تلك الخشية: أنّه حينما يُضحى بدور العلم والعلماء لمصلحة توافقات سياسية، فذلك حتماً سيجرّ البلاد والعباد إلى الانحدار، والتراجع، والتخلف، والصراع.

أي توافقات هذه التي لا تعتني بالتعليم ومؤسساته؟! وأي توافقات تلك التي تجعل الأولوية لبعض القوانين والمقترحات والمطالبات «الغريبة» أهم من الاهتمام بالعلماء وطلبة العلم؟! بكل أسف، لقد أضعتم البوصلة، فلا شيء أهم من التعليم لأي بلد يريد أن ينهض ويتخلص من آفات التخلف. اسمعوها من ناصح لكم أمين، لا خير في توافقاتكم إن لم تتفقوا على أن التعليم يعلو سلّم أولوياتكم ويسمو على «ترتيباتكم»… هل وصلت الرسالة يا نواب الأمة؟!

لو نظرنا إلى التقدم الحاصل في الدول الأخرى مع قلة الموارد والإمكانات المتاحة، فسنجد أنّهم قد ذهبوا إلى زوايا مظلمة، وأيقنوا بأنّهم إن أناروها، فستستنير بقية الزوايا، فهذه سنغافورة – ملهمة الطامحين لتطوير التعليم – نجد الشح في مواردها الطبيعية الذي عرقل نموها الاقتصادي، فهل وقفَت عن التفكير؟ كلا! بل اتجهت إلى رأس المال الحقيقي وهو الإنسان، فركّزت عليه، وقامت بعمارته وتكوينه معرفياً، ليكون هو بذاته المنتج الذي تخرجه الدولة إلى سوق العمل، والمحارب الذي تلقيه في ميدانٍ يحوي العديد من المشكلات العميقة، فيفتك بها بعقله قبل ساعديه.

إنّنا لا نقف عند التجارب الحديثة فقط، بل إنّ لنا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة حيث قال: «وإنّ فضلَ العالِم على العابدِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائر الكواكبِ»، وإنّ لنا أن نستمد من هذا الحديث الشريف فضل العالِم في أي فنٍّ من الفنون على العامل، فالعالِم يعلِّم لكي يعمل المتعلم بعلم ذلك العالِم، وهنا فضل العالِم الذي هو كالبدر على العامل الذي هو كالكوكب، وأساس التشبيه أنّ البدر يضيء الآفاق ويمتد نوره في أقطار العالَم وهذه حالة العالِم. وأما الكوكب، فنوره لا يجاوز نفسه أو ما قرب منه، وهذه الحال هي حال العامل الذي نور عمله عليه دون غيره وإن جاوزه، فإنما يجاوزه غير بعيد.

في الختام: هل حال التعليم أمام هذا التوافق النيابي كحال من قالت له أمّه: إنّك خيرٌ من تفاريق العصا!

أكررها لكم.. هل وصلت الرسالة يا نواب الأمة؟!

د. فلاح محمد فهد الهاجري

DrFalahAlHajri@

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock