كتاب أكاديميا

الاعتماد الأكاديمي وانخفاض أسعار النفط

Logo Acaademia

في عام 1944 تم تعديل قانون «الجنود» الأميركي من خلال ما عرف لاحقا باسم «مشروع قانون جي اي» الذي قدم مجموعة من المزايا للجنود العائدين من الحرب الحرب العالمية الثانية (1939- 1945). الزم القانون المعدل الحكومة الاميركية بتأهيل الجنود العائدين، للاندماج في المجتمع والمساهمة في تنمية البلاد، وذلك من خلال توفير قروض عقارية منخفضة التكلفة لتوفير سكن خاص، وقروض يسيرة الفائدة لبدء عمل تجاري، وتعويضات عن البطالة لمدة سنة واحدة، فضلا عن تغطية رسوم الدراسة والمعيشة لمن يرغب في الالتحاق بمدرسة ثانوية أو معهد للتعليم المهني أو جامعة. هذه المزايا كانت متاحة لكل من كانت له خدمة فعلية، وإن لم تكن قتالية، تعادل أو تزيد على 90 يوما خلال سنوات الحرب ولم يطرد من الخدمة العسكرية. بحلول عام 1956، كان ما يزيد على مليوني اميركي قد استفادوا من القانون للدراسة في الجامعات وما يفوق على 5.5 مليون فرد التحقوا ببرامج تدريبية مهنية.

ما لفت انتباهي كأكاديمي في «مشروع قانون جي اي» – ذي التكلفة الباهظة على الخزانة الاميركية – هو تشريعه في مرحلة كان فيها الاقتصاد الأميركي يئن من مصروفات ثلاث سنوات من المشاركة المباشرة في الحرب العالمية الثانية (1941 – 1944). يعتبر هذا القانون من ثمار التوافق بين الحكومة والمشرع في أميركا بشأن ضرورة استدامة الاستثمار في التنمية البشرية والتقدم العلمي والابتكار التكنولوجي. يرى العديد من المحللين أن هذا التوافق كان له دور محوري في ترجيح كفة أميركا والتحالف في الحرب العالمية الثانية فضلا عن تثبيت دعامات لازدهار الاقتصاد الأميركي في الفترة التي تلت الحرب ولغاية أوائل السبعينات من القرن السابق والتي اشتهرت بالعصر الذهبي للرأسمالية.

الولايات المتحدة الاميركية كانت ولا تزال تؤمن بأن عليها المحافظة على تفوقها العلمي إن أرادت الاستمرار في مكانتها كقوة عسكرية واقتصادية عظمى. هذه العقيدة ترجمت من خلال تشكيل لجان رئاسية خاصة عدة لإصلاح التعليم في أميركا منها تقرير ترومان عام 1947، ولجنة التعليم في ما بعد المرحلة الثانوية عام 1956 في عهد أيزنهاور، وفرقة العمل المعنية بالتعليم عام 1960 بعهد كينيدي، واللجنة الوطنية للتميز التربوي عام 1983 بعهد ريغان التي أصدرت تقريرها الشهير والمعنون «أمة في خطر: أمر إلزامي لإصلاح التعليم» ولجنة مستقبل التعليم العالي والمعروفة بلجنة سبلنغز عام 2006 في فترة بوش. التقرير الاهم من بين هذه التقارير هو المعنون «أمة في خطر» الذي يعتبر مفصليا في تاريخ العملية التعليمية الأميركية الحديثة. هذا التقرير صدر استجابة لملاحظات وزير التعليم الاميركي على نظامهم التعليمي، وقد يكون ابرز تلك الملاحظات هو فشله في تلبية الحاجة الوطنية من قوى عاملة تنافسية. كما طلب الوزير من اللجنة الرئاسية تقييم «نوعية التعليم والتعلم» في جميع المراحل الدراسية ضمن القطاعين العام والخاص، ومقارنة جودة التعليم في المدارس والكليات الأميركية مع نظيراتها في الدول المتقدمة الأخرى.

في الكويت تعالت المناشدات بتنويع مصادر الدخل الوطني بعد سماع صوت طبول الحرب العالمية النفطية. لأننا شعب يستوعب أهمية ايجاد مصادر دخل مرادفة للنفط والاستثمارات الخارجية كلما انخفضت اسعار النفط، وترتفع اصواتنا كلما نزلت الاسعار مقتربة من نقطة المعادلة في الموازنة، وتزداد حدة مطالباتنا بالإصلاح ومحاربة سراق المال العام كلما هوت الاسعار دون تلك النقطة المفصلية. ولكن منهجيتنا الحكومية البرلمانية في الأزمات السابقة لم تتعدَ اللجوء إلى تعويض العجز في الموازنة من احتياطي الاجيال القادمة وبالاقتراض، إلى جانب الدعاء بأن تسترد أسعار النفط عافيتها قبل استنفاد احيتاطياتنا أو انهيار اقتصادنا. وغالبا يكون البرلمان أكثر انشغالا بالدعاء من الحكومة.

أدعو الحكومة والبرلمان إلى تغيير منهجيتيهما في التعاطي مع أزمات الموازنة، والاستفادة من التجربة الاميركية باعتبار البحوث والتعليم والتدريب مستلزمات أساسية لرحلتنا التنموية عبر رياح تقلب اسعار النفط وأمواج تذبذب القيم الدفترية لاستثماراتنا الخارجية إلى شاطئ التنوع والاستدامة الاقتصادية. فالبحوث هي الديرة (البوصلة) والتعليم هو السكان (المقود) والتدريب هو الشراع لسفينة التنمية المستدامة. واذكّر المجلسين بأن العجز في الموازنة لم يكن مبررا لتأجيل اصلاح قطاعات البحوث والتعليم والتدريب الاميركية ابان الحرب العالمية الثانية، بل على النقيض كان مسوغا وموجبا لاستعجال دعم تلك القطاعات من أجل إصلاحها واستثمارها في خطة تنموية شاملة.

ورغم قناعتي بأن الاصلاح كل لا يتجزأ لا في البعد الاداري الافقي ولا الرأسي، إلا أنني أتلمس أهمية تحفيز النوايا والهمم الاصلاحية في الدولة من خلال مشاريع تنموية محدودة خاصة تلك المرتبطة بالمعرفة. لذلك أحيي كل من شارك بالإصلاح الاكاديمي عبر مبادرات الحصول على الاعتماد الاكاديمي من جهات مستقلة لبرامج تدريبية أو تطبيقية أو أكاديمية، وأدعو القائمين على البرامج غير المعتمدة للبدء في إجراءات الاعتماد من جهات الاختصاص العريقة. كما أناشد الجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم الاسراع في اصدار لوائح تحدد إجراءات ترخيص بيوت الاعتماد الاكاديمي وتنظيم علاقة تلك البيوت بالمعاهد والكليات والجامعات التي تقدم البرامج المعرفية. المجتمع المعرفي بالكويت مطالب بالعمل كفريق متناغم لرعاية جودة برنامجه، من خلال منظومة متكاملة تضمن الشفافية والنزاهة، من أجل المساهمة في تحويل اقتصادنا الوطني من ريعي إلى معرفي قادر على الصمود أمام تقلبات أسعار النفط…اللهم اجعلنا من المتوكلين ولا تجعلنا من المتواكلين.

ا.د. عبداللطيف بن نخي
[email protected]


займ на карту быстро

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock