أسماء السكاف تكتب: بين فن الرد وتمسيح الجوخ
– بابا
– يا عيون بابا
– أريد الذهاب لزيارة صديقتي غداً أرجوك
– ردي علَّي أولاً
– حسناً، حسناً، تسلم عيونك يا بابا والآن هل ستأخذني أم لا؟
كان هذا نموذج من حوار شبه يومي بيني وبين والدي في صغري، لم أفهم حينها مغزى والدي من هذا الإصرار على الردود الغير لازمة، كان يتوقف عن الحديث لينتظر ردي على كثيرٍ من الكلمات بكامل هدوءه وابتسامته وبكل عجلتي وسرعتي لأنهي ما أردت قوله كنت أرد عليه الرد الذي ينتظره لأصل لما أريد.
– تسلمين
– سلمك الله
– شكرا
– عفوا
– أحبك
– أحبك أيضاً، الفظي الكلمة لا تحبسيها وتردي ب وأنا أيضاً …
وغيرها وغيرها من الردود والإجابات التي كنت أتلقاها وأتعلمها يوماً بعد يوم، دون إدراكٍ حينها إلى أن كبرت قليلاً ولم أعد بحاجة للتذكير من والدي، بل أتقنت فن الرد والتعبير عن الحب والمشاعر وبرعت فيه تماماً.
كبرت الآن وصرت أماً وأنهج أحيانا مع أبنائي نهج والدي بالفطرة، تسير الأمور على ما يرام في الحياة ومع البشر إلى أن التقيت مؤخراً بمن يُسمي الردود اللطيفة ب (تمسيح جوخ) أو (تطبيل) ، حينها فقط فهمت جفاء وجفاف مشاعر البعض، ربما ظناً منهم بأنهم سيبدون مُجاملين أو منافقين أو ماشابه ذلك من معنى…!!!
أهو خلطٌ بين المديح الكاذب وفن الرد الراقي الواجب؟
لم ثقافة الصمت عن المشاعر وعن الكلام اللطيف هي السائدة؟
الكلام فن كباقي الفنون تماماً كالعضلات تقوى وتلين بالتمرين والممارسة وتيبس وتتصلب عند عدم الاستخدام والتحريك.
برأيي الفرق شاسع جدا بين الرد اللبق اللطيف المحترم وبين (تمسيح الجوخ) وبين التعبير عن المشاعر والميوعة، الخلط بين الأمور لدى الكثير من الآباء والأمهات أنشأ جيلاً جافاً ومُتعطشاً للمشاعر بنفس الوقت، فالكل الكل بلا استثناء من الكبير إلى الصغير بحاجة لكلمات لطيفة أو حتى إلى ردودٍ لطيفة فما رافق الرفق شيئاً إلا زانه ولا نُزع من شيءٍ إلا شانه.
التبسم والكلمات اللطيفة تأتي بالتعود والتدريب، أذكر تماما إحداهن عندما أخبرتني بأنها تخجل وتستحي من قول أحبك لابنها الشاب رغم أنها ترغب فعلاً بقولها، قلت لها كما قال الدكتور مصطفى أبو السعد لإحدى الخجولات أيضاً: قفي أمام المرآة وكرريها أو أمسكي لعبة أو حيواناً أليفاً وكرريها كرريها حتى تنحل عقدة لسانك عن الكلمات اللطيفة، إذاً هي فعلاً عضلة تتيبس وتلين حسب التمرين.
الاستفاضة بالمشاعر والتعبير عن الحب لمن يستحق والردود اللطيفة الصادقة التي تترك أثراً في نفس سامعها من الأمور التي لا حرج ولا خطأ في تكرارها والإكثار منها خصوصاً مع الصغار، الكائنات التي تشبه الورد فتذبل بلا حب وكلام لطيف وتنتعش وتحيا بالكلمات المحببة الصادقة.
ودمتم بحب وقدرة على التعبير على مابداخلكم من مشاعر وكلمات.
أسماء السكاف