فواز الحسيني يكتب: وزير التربية الجديد بين التنظير والتغيير
قد يكون وجود وزير معلم أمر يبعث بالارتياح، لكن ما إن مر على وزير التربية ساعات قليلة من إعلان التوزير ، سارع على الفور بعقد قمة “كامب ديفيد صحفية ” مع وسائل الإعلام، واستعرض من خلالها فلسفته نحو التعليم التي يطالها حالة من التنظير ، وهو المفترض بأن يعقد اجتماعات ماراثونية مع الميدان التربوي والقيادات المعنية ، هذه البداية قد تمنحنا مؤشر بأن هناك اهتمام بما يكتب عن الوزارة في الصحف و وسائل التواصل الإجتماعي، المخيف بالأمر بأن الانصياع للإعلام قد يولد ضغط على مطبخ القرار التربوي بالمستقبل، مما يسهم ذلك في إرباك و ترهل عملية التعليم على المدى البعيد.
في عام 2016 أحرزت سنغافورة المركز الأول في التعليم عالمياً ، وذلك من خلال تصدرها اختبارات PISA الدولية، هذا الإنجاز كان لعمل انطلق مطلع عام 1991 عبر مبادرة تهدف نحو دمج المعاهد والكليات المعنية في تمهين المعلمين، والتي تتمثل في معهد التعليم IE ، وكلية التربية CPE لتدريب المعلمين، خلق ذلك الدمج تأسيس المعهد الوطني السنغافوري للتعليم NIE ، حيث تميزت هذه الفترة في بناء رؤية تهدف نحو تأسيس الشراكات الإستراتيجية لرفع جودة التعليم والبحث العلمي، من خلال بناء القدرات المؤسسية والكفاءة المهنية لتلك الشراكات المجتمعية في مجال التعليم،و وضع البرامج والتصورات لتعزيز مهارات القرن 21 عبر تعزيز قدرات البحث العلمي في البيئة التعليمية ، كان التعليم في هذه التجربة يهدف إلى اكتشاف مواهب الطلاب واخراج افضل مالديهم من إمكانيات، وتوسيع مداركهم وتنمية شغفهم نحو التعليم، للحصول على أفضل النتائج التعليمية،وفي عام 1997 أطلقت سنغافورة شعارها التعليمي بعنوان “مدارس تفكر أمة تتعلم” ، وهو ما سرع من عملية تحقيق هذه النتائج والنجاحات التعليمية التي نشاهدها الأن .
أمام الوزير الجديد تحديات، ومن أهمها تجويد القيادات التربوية، وتحصين النظام التعليمي من التسييس، والعمل نحو بناء التكامل المهني للمجالات والتخصصات التربوي والعلمية، بالإضافة إلى توسيع شريحة نطاق المعلمين من خلال شمولها لكل التخصصات التربوية والتعليمية المستبعدة من العملية التعليمية بالسابق بسبب مزاج وقصر نظر القيادات التعليمية السابقة ، كذلك يجب التوقف الفوري عن تكهين المجالات العلمية واخراجها من رحم العملية التربوية لأي سبب كان ، ومن صور ذلك استبعاد تخصص المكتبات او التاريخ او علم النفس و غيرها من تخصصات تعليمية بحجة توفير ميزانيات، او منح مجال لصالح مواد دراسية اخرى بالجدول الدراسي، مما يعطل ذلك من دور تلك العلوم والمجالات من تقديم مهاراتها ومعارفها للمتعلمين، هذا الأمر يزيد من توسع الفجوة بين المنهج الدراسي والتحصيل العلمي للطلاب من وجهة نظري الشخصية .
كذلك الوزير عليه بأن يضع هيكل وظيفي للوزارة جديد ، عبر استحداث مجالات ودمج اخرى ، لهذا يجب ان يكون للوزارة قطاع يهتم في إدارة المعرفة والبيانات الضخمة، من أجل دعم القرار التربوي والتعليمي وتحقيق نتائج أفضل ، وايضا استحداث منشأت تعليمية متطورة مثل المكتبات المدرسية الجديدة التي تعلم برمجة الروبوتات ومهارات التفكير والتعلم الذاتي ،والتي تستخدم أحدث التقنيات مثل الواقع المعزز، والافتراضي، والمكونة أركانها من مختبرات الطباعة الثلاثية، ومختبر تركيبات الألعاب التعليمية ،ومختبرات الفاب لاب ، وغيرها من أساليب وتقنيات تعليمية تسهم في ضمان فاعلية عملية التعليم والتعلم .
في عام 2015 اتفق 150 من رؤساء وقادة العالم على خطة التنمية المستدامة 2030 والمكونة من 17 هدفاً إنمائياً ، جاء الهدف الرابع منها للحديث عن ضمان عملية التعليم الجيد والمنصف،وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للمتعلمين ، هذا الأمر يقودنا للعبارة الشهيرة لـ “مارجريت ميد ‘ وهي عالمة أنثروبولوجيا شغلت منصب رئيس سابق للجمعية الأمريكية للتقدم في العلوم وهي شخصية ثقافية وعلمية ظهرت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، حيث كانت تردد (بأن لابد أن يتعلم الأطفال كيف يفكرون وليس بماذا يفكرون)، هذه العبارة الشهيرة تدفعنا نحو التفكير جدياً بأن تتضمن مناهجنا القادمة مادة دراسية لتعلم مهارات التعلم الذاتي،ومهارات التفكير، وهذا ماتلعبه المكتبة المدرسية لو تم تطويرها بحسب التوجهات الحديثة للمكتبات المدرسية وتمكينها من لعب دورها في العملية التعليمية، وهو المشروع الذي قمت في تقديمه للوكيل المساعد للأنشطة التربوية قبل عدة أيام، نأمل بأن يكون في عناية الوزير ومحل إهتمامه التنموي الخاص في تطوير منظومة التعليم بالمستقبل.