هنوف اللميع تكتب: المتدرب مدربا
لم يكن التدريب والتعليم الحقيقي يوماً إلا نتاج عملية فكرية قبل أن تكون نقلاً لمعلومات تلقى على المتدرب، ومن هنا افترق المدربون، فكان منهم المتميز الذي يُعنى بأمرين: المعلومة، وكيفية الحصول عليها، والمدرب النمطي هو الذي يقتصر على مجرد توصيل المعلومة فقط.
إن المدرب المتميز هو الذي ينقل المتدرب من المرحلة المعلوماتية إلى المرحلة الكسبية، والمرحلة الكسبية تعني القدرة على الحصول على العلم، فمدرب ينقل معلومات إلى متدربيه فهذا مدرب تقليدي، ومدرب يعنى بتقديم مهارة الحصول على العلم فهذا مدرب متميز.
وإن المدرب المتميز يمتاز بروح وحب العلم قبل العلم، وبسعة الأفق والتفكير قبل الحكم، كل ذلك يجعل لديه خصلتين:
الأولى: أنه يشجع متدربيه على الكلام والتعبير، ويحترم الآراء والأفكار، ويزرع فيهم الشجاعة الأدبية.
والثانية: أنه يزرع فيهم منهجية التفكير السليم، فكل فكرة جديدة تحتمل أن تكون صحيحة، وكل بحث أو تقييم للفكرة لا بد وأن ينطلق مفاتيح المعرفة: ماذا، ولماذا، وكيف، وبذلك يزرع فيهم التفكير السليم.
فسؤال ماذا: يعني القدرة على التعبير عن الفكرة بشكل صحيح، وسؤال لماذا: يعني الإحاطة بأهمية الفكرة ودوافع تبنيها، وسؤال كيف: هو السؤال الذي تكفل إجابته نقل الأفكار من حيز التنظير إلى إشكالات الواقع وتناقضاته.
وإن المدرب المتميز يحتاج مع ذلك إلى أن يجعل متدربيه مطلعين على واقع مجال التدريب ليحصل له الممازجة بين التنظير والتطبيق؛ ولأجل أن لا تكون معرفتهم معرفة لا مقاربة بينها وبين الواقع، والأجمل أن يعطيهم استراتيجيات التعامل مع الواقع، فالمعرفة وحدها لا تكفي إذا لم يكن معنى معرفة بالأرض والناس، وخبرة ومهارة في التعامل مع هذه الثنائية التي لا يمكن التنبؤ بردات أفعالها.
وإن المدرب المتميز يحتاج إلى الاتصال مع متدربيه بعد تدريبهم؛ إذ يحتاج المتدرب بعد فترة التدريب إلى بعض الإرشاد في المرحلة الأولية من مواجهة الواقع.
جميع ما سبق مقدمة لفكرة المتدرب مدرباً؛ لأن تحول المتدرب إلى مدرب في حقيقة الأمر عبارة عن امتلاكه للمفاتيح التي تؤهله لينطلق وحده، وملاك تلك المفاتيح المدرب المتميز.
وإن المتدرب كي يكون مدرباً يقتضي منه تعلم الآليات والكيفيات التي تجعله يمتلك القدرة على الحصول على المعرفة، والذي يكون من شأنها تعزيز الاستقلال المعرفي من جهة القدرة على الحصول على المعلومة، بالإضافة إلى امتلاكه روح النقد السليم، والقدرة على استيعاب الآخر.
وقبل ذلك: فعلى كل مدرب أن يكون متميزاً كي يخرج متدربين متميزين، وإلا صار حاله كما أن يقال فيه كما قال أبو الأسود الدؤلي:
يا أيها الرجل المعلم غيره
هلاَّ لنفسك كان ذا التعليمُ
أ/ هنوف اللميع
المعهد العالي للخدمات الإدارية