الجازي الهاجري يكتب :الإشارة حمراء
الإشارة حمراء، مضيتُ إلى عوالمَ مؤقتة، شعرتُ بالحماسةِ والتخفف، الخوف والتأمُل كلها في آنٍ واحد، هواجسي مُثّخنة، بعد قليل، أصل إلى أرض سيشيد عليها البنيان ويسكن فيها السكَّان، بعدما كانت أرضاً تُشيَّد عليها الخيام وتُرعى فيها الأغنام، تساءلتُ هل تلك المنطقة الحدودية آهلةً للسكن؟ أم أن وزارة الإسكان تُغلق أفواه أصحاب الطلبات التي مر عليها 10 سنوات بأرض الـ 400 متر مربع!
طريق 306، ذي الحارة الواحدة، يأخذني إلى تلك “المدينة” الموعودة، يمر بي على المحطة العالمية وعربات البِقالة، ليس هناك داع أن أُحدِّث عن رَّوعَاءُ الطريق، فهو مُريع لدرجةِ أنني يجب أن أكون حجرًا إذا لم أشعر بذلك، لا ثمة شيء في المشاهد المتتالية يدعو إلى التأمل إلا واستنفدته، الأقبية المترامية، رمال السافي، جموع الإبل على جوانب الطريق، الشاحنات المثقلة القادمة نحوي، التي خيّل لي أنها ستسقط على رأسي لولا حماية الرَّب.
شُيَّدت البنيان وقطن السكان ذاك الوجود المُختَلَق، كما يقال: الإسمنتُ والأرصفة المبالغة، ذلك إنه وجودٌ لم يكتمل بعد؛ يبحث عن إكتماله، أو يبحث عن نفسه، التي ربما أضاعها…أحلام الورق بدَّدها الواقع، في الطريق الذي أصبح ذي أربعة حاراتٍ الآن، طريق 306 الذي هو أشبه برحلة قيصرية عبر الذاكرة، مرت سنواتٌ منذ أول إنطباع لطريق الموت، تم تغيير أشياء كثيرة بحجج كثيرة، لكن المدينة ليست أهلةً للسكن فعلًا كما تساءلت، ورَّوعَاءُ الطريق نفسها، لم تتغير بل وحتى انتقل هذا الشعور إلى كل مرتاديه، الخروج من المنطقة شاقٌ جدًا، يستنزف طاقات الاحتواء والتركيز والحدس، تلك التي يجب أن تذهب إلى عملٍ خلّاق يعيد ترتيب العالم، لكننا اعتدنا، فالطريق له سنوات يودي بحيوات أفلاذ الأكباد، يسفكُ ويُزهق الأنفس دون رغبة حقيقية منه، إنه غير ملوم.
الموت مضافٌ إلى طريق، مجرورٌ نحوه، جاثمٌ عليه، ليس أَدَلَّ بغيره، يتسكع بين المركبات، لا يفرق بين تريلة وكراسيدا، يحصد الأرواح كما لو كان يحصد الزَّرْع، يحصد فحسب..ثَكَلَتْ الأمهات، تيتَّم الأبناء وترمَّلت النساء، ومازال الموتُ مضافٌ إلى طريق!
بقلم:
الجازي الهاجري