د.فيصل الشريفي يكتب : :«هَمْ عمار يا كويت»
كتب المقال أ. د. فيصل الشريفي
النطق السامي:
ما ذهب إليه حضرة صاحب السمو أمير البلاد في نطقه السامي بمناسبة افتتاح دور الانعقاد العادي الأول من الفصل التشريعي الثاني عشر هو تشخيص للحاضر وجرس إنذار للمستقبل، حيث قال: «لقد نبهت مرارا من مخاطر الخروج على الثوابت الوطنية، كما نبهت من مغبة الاستقواء بغير القانون وإثارة أجواء التشنج والتجاذب والتوتر الذي لا طائل منه، وما قد تنتهي إليه هذه الأمور من نتائج لا يمكن لمخلص أن يتجاهل جسامة عواقبها»… هذه الحالة حذرنا منها سموه فأين نحن من تلك المواقف التي سطرها أبناء الوطن إبان فترة الغزو؟ وإن ذهبت في ذاكرتي لتلك الأيام لا أعادها الله لعرفت أن الكويت عمار ورجالها يُعرفون في الملمات.
مواقف الرجال:
في الخفجي وفي الأيام الأولى للغزو الغاشم ومع اقتراب ساعات الفجر الأولى، قررنا دخول الكويت أنا ومجموعة من الأصدقاء، حيث كنا في دورة تدريبية في الولايات المتحدة، وقد شاءت المصادفات أن ألتقي بصديق يحفظ الطرق البرية، فأمّن لي مقعداً معه وقال الموجود مقعد واحد فقط!! وأنا أردد «مقعد واحد بس يا أخي معي اثنين من ربعي يبون يدخلون، فرد علي مقاطعا: بوأحمد لو في مكان كان ما رديتك».
على كل تقبلت الأمر، وذهبت إلى أصدقائي لأخبرهم بما دار، فوجدت اللهفة لدخول الكويت عند كل طرف منهم أشد وأكثر مني، لكن دون أن يصرحوا بذلك خشية أن «يزعلوني»، فقررت أن نعمل قرعة لمن يدخل، وكعادتنا بدأنا بالتنازل لبعضنا بعضا وزكينا أكبرنا سناً، وكان الدكتور محمد فرج رحمة الله عليه، ومع اقتراب موعد الدخول إلى الكويت اعترض صديقنا الخبير بدروب البر على لبس الدكتور محمد كونه يلبس الزي الإفرنجي، فقلت له: «صار اذهب إلى محطة البنزين واشتري له دشداشة جاهزة، لكن الوقت كان يداهمنا كون الإخوة في السعودية يقفلون لصلاة الصبح، وهو موعد الدخول»، فسمع هذا الحديث كويتي آخر يترقب الأحداث مثلنا، حيث استأذننا بالكلام وبادر بنزع ثوبه (دشداشته) (الزي الكويتي) التي يلبسها صاحبنا… المهم أن الدكتور لبسها ودخل، ثم شكرنا الشاب المتبرع «بدشداشته» ظانين أنها زائدة عن الحاجة، وأن عنده غيرها، لكن الحقيقة انكشفت عندما رأيناه ينتظر افتتاح الأسواق لشراء ثوب جاهز يلبسه فوق «الفانيلة» و»السروال» التي ظل يلبسها حتى الصباح.
هذه القصة وغيرها تدل على التكاتف والإيثار، وأن الكويتي مستعد أن يعطي كل شيء للكويت، فبالله عليكم كيف نفسر تصرف مواطن مستعد أن يقدم روحه وحياته من أجل صورة… لكنها لم تكن صورة في نظر الكويتيين لأن ارتباطنا بالكويت وبالأسرة يسري في دمنا عن طيب خاطر وليس «غصب عنا»؟