د. بدر الفليج يكتب: التّقييم في منهج “الكفايات” … المشكلة والحل
منهج الكفايات هو منهج تعليمي يهدف لتحويل الطالب في النظام التعليمي من مستمع ومتلقي للمعلومات (سلبي) الى مشارك وصانع لها (إيجابي) مما قد يسهم في بناء شخصيته وجعله شخصا مسؤولا وقادرا على التفكير والتحليل والنقد داخل وخارج أسوار المدرسة مما قد يؤثر ايجابا على مستقبله. قدمت واحدة من المعلمات المتميزات وصفا مختصرا ودقيقا، “الكفايات ليست مشاريع تعتمد على لوحات أو وسائل يكتب الطلاب بها بعض المعلومات ويقدمها… المشروع هو الطالب، كيف تستثمر قدراته ليحقق ذاته..أ. هيفاء بهبهاني”.
وما لمسته شخصيا عند تقديمي لورش عمل عملية وتطوعية لمنهج “الكفايات” أن هنالك العديد من المعلمين يمارسون أصلا استراتيجية تدريسية متنوعة تدخل ضمن دائرة هذا المنهج، لكن المربك للعديد منهم المسمى، والمقلق أيضا كيف أقيّم أداء الطلاب؟ خاصة مع عدم وضوح الرؤية بالنسبة لبعض الموجهين وتضاربها مع أفكار موجهين آخرين أو مع مبدأ أساسي في منهج الكفايات والقائم على تقييم أداء وأنشطة الطلاب بشكل فردي أو جماعي (مثلا، 3-5 طلاب في كل مجموعة يحصلون على نتيجة واحدة بعد تقديمهم لمشروع أو حل لمشكلة) استنادا على ملاحظة المعلم ومدى رضاه عن العمل المقدم (الأداء)، والذي يختلف كليا عن التقييم المبني على الاختبارات الفصلية.
المشكلة بزعمي تتلخص بالآتي:
الموجّه: الموجه ذو سنوات الخبرة الطويلة تعوّد على التدريس بنمط معين فترة طويلة (مارس فعليا التعليم التقليدي)، وبعد أن أصبح موجها، أأمن الأمور متابعة ما تعود عليه ويتقنه، لذلك يقاوم البعض منهم طريقة تقييم الأداء المقترحه والمعتمده كليا على مدى رضا المعلم عن مشاريع الطلاب وأنشطتهم داخل أو خارج الصف… “الإنسان عدو ما يجهل”.. لذلك تم إضافة إختبارات فصلية من 20 درجة الى بعض المواد الدراسية لتصور البعض أن 40 درجة كثيرة على تقييم الأداء!! مما خلق عدم استقرار في توزيع الدرجات لدى المعلمين وزعزعة ثقتهم بهذا المنهج الجديد “الكفايات”.
المعلم: التعود على النمط التقليدي في التعليم يشمل المعلم أيضا، فهذه منطقة الراحة لديه “comfort zone” ولن يرغب العديد منهم مغادرتها والقفز الى المجهول (الخوف من تقييم الموجه وعدم الحصول على تقييم الإمتياز الذي تعوّد عليه) دون وجود دافع حقيقي متمثل في حوافز مالية أو معنوية أو تدريب عملي مفيد يوضح له الهدف، وكيفية تحقيقه، لذلك يقاوم العديد منهم الطرق الحديثة في التعليم. ولقد أكد وكيل الوزارة المساعد د. سعود الحربي أن الميدان التربوي يقاوم التغيير!! المشكلة الأخرى، تدني مستوى التأهيل العلمي، الثقافي والعملي لبعض المعلمين كما أكد د. بدر الصالح، وهذه طامة كبرى تعيق تقبل المعلمين لكل ما هو جديد…”المعلم لا يقرأ”!!
ولي الأمر: سنواجه مشكلة حقيقية، إن لم نواجهها أصلا، في إقناع الطالب وولي الأمر في حيادية المعلم وتوزيعه العادل للدرجات في التقييم البنائي. خاصة أن الكثير من أولياء الأمور لديهم قناعة مسبقة بضعف بعض المعلمين، والمنهج وطرق التدريس المتبعة. أضف الى ذلك، قناعتهم بان الواسطة متفشية كالسرطان في المجتمع، واعتقاد البعض منهم أن المعلم متحامل على أبنائهم لسبب أو لآخر.
والسؤال المطروح، لماذا نحتاج لوضع درجات لتقييم الأداء (التقييم البنائي)؟ (الكفايات تهدف لوضع جمل وصفية تصف أداء الطالب للتمكن من رفع أداء الضعيف وإثراء الفائق وهذا هدفي كمعلم. “ممثلة البنك الدولي”). فمن هو الجهبذ الذي اقترح وضع الدرجات؟
الحل ببساطة، إلغاء درجات التقييم البنائي، وإعتباره نوع من أنواع التغذية الراجعة المهمة جدا (يحاسب عليها المعلم من قبل الموجه) والذي يهدف لإعادة توجيه الطالب الى الطريق الصحيح مباشرة بعد ممارسة أي نشاط (قراءة، مناقشة، مشروع) لكي يبني معرفة وخبرة جديدة قبل الانتقال الى الدرس التالي، والإكتفاء بالتقييم النهائي (اختبار من 100 درجة). بهذا نحقق رؤية البنك الدولي التي تؤكد على أنه “لا يوجد مواءمة بين التقويم المستمر ورصد الدرجات” (جريدة السياسة 19/12/2016)، ونخفف الضغط على المعلم بحيث يركز على رفع أداء المتعثر وإثراء المتفوق. أضف الى ذلك، التخفيف من هموم الإختبارات الفصلية للطالب وولي أمره، وتجنب الشك بذمم المعلمين عند التقييم المنتهي برصد الدرجات من قبل الطلاب وأولياء الأمور.
شخصيا، تتوافق رؤيتي مع رؤية واضعي الإطار العام لمنهج الكفايات ومنهم أ. محمد السدّاني من أن منهج الكفايات منهج مميز. وأعتقد أنه من المهم الإستمرار فيه وعدم السعي لإلغاءه وهدر الأموال المصروفة عليه، وأن لا تعيقنا التحديات عن تبنيه. ولاتتصور عزيزي صانع القرار أن الدول المتقدمة لم تواجه تحديات مماثلة وتتغلب عليها بعد إيجاد حلول مناسبة لكل بيئة تعليمية فهذا هو أساس بناء المعرفة الحقيقة “التخطيط، التطبيق، الملاحظة، والتقويم”..ونحن في المرحلة الأخيرة ونحتاج فقط لقليل من الشجاعة لتعديل وتقويم بعض الأخطاء لتناسب بيئتنا الكويتية ثم نمضي لهدفنا النهائي وهو بناء فرد ذو شخصية مستقلة وقادر على اتخاذ القرارات وتحمل نتائجها…من أجل خلق جيل واعي وفاعل يقود مسيرة النهضة والبناء في كويت المستقبل… ودمتم
د. بدر الفليج