كتاب أكاديميا

فاطمة ماضي تكتب: التركيز في مدارسنا

%d9%81%d8%a7%d8%b7%d9%85%d8%a9-%d9%85%d8%a7%d8%b6%d9%8a-200x200

 

أتذكر أيام الدراسة، كانت المعلومات تنهمر علينا بغزارة، وفي بعض المراحل التعليمية يكون معظمها جديدًا وتحتاج كل معلومة إلى التأني عندها لنفهمها ونستوعبها حق الاستيعاب، وإمطار عقولنا بالدروس المتتالية على مدار اليوم في الحصص عمل على إيقاف عقولنا خاصة في نهاية كل يوم، فالعقل تشبع إلى حد الامتلاء ولا يستطيع التركيز أكثر من هذا!

اسأل نفسك ما المدة التي يظل فيها عقلك في كامل اهتمامه وتركيزه في موضوع ما؟، طبعًا المدة تتوقف على مدى تهيئتك النفسية وقدر تركيز دماغك وأهمية وحيوية الأمر بالنسبة إليك ومدى إثارته للانتباه، لكني أتحدث عن أي موضوع شيق علمي يثير الفضول لفهمه ولا أتكلم عن مأساه المواضيع في المدارس!

ولن أقول لك أن الموضوعات العلمية التي تُدرّس غير شيقة على الإطلاق، ولكن سأقول أنها تُعرض بطريقة عقيمة تنزع أي هالة مثيرة تساعد الأطفال على الاهتمام، ولن أقارن بين موضوع علمي مبهر يثير شغفك العقلي وبين مناهج المدارس، فكأنما أقارن بين شوقك للقاء محبوبتك وهلعك من ميعاد تنفيذ حكم الإعدام عليك!

فلماذا يفقد أبناؤنا فضولهم الفطري بالعلم في المدارس والبعض يعتبرونه كابوسًا؟!

أتذكر حينما كنا صغارًا والمدرسين يدخلون الفصل كأنهم مضطرون إلى تقضية واجب مفروض عليهم، ووجوههم فاقدة للصبر أو على أقل تقدير على وشك الانفجار!، فكيف يا أخي الكريم تريد أن تبني داخل الطفل ولعًا بالعلم وأنت تفقده وتلقي بالمعلومة في فتور مثلما تُلقى بميت في قبره؟، وكيف يكون قيام للتعليم في مصر تحت مظلة تعج بالمضغوطين سواء الطالب أو المدرس؟

وكان أكثر المدرسين قدرة على إفقادي التركيز هم أصحاب النبرة الصوتية الواحدة، الذين تشعر معهم أنك تسمع آلة تفرغ الدقائق المسجلة عليها مسبقًا، ثم يعيد التنبيه إلينا أحد المدرسين الماسكين بالعصا المنذرين بالويل لمن لا يجاوب على أسئلة نهاية الحصة، فنركز في الدرس فقط خوفًا من أن ينالنا غضب عصاه!

فكيف نبغي من أطفالنا أن يحبوا المدرسة ويتشوقون للعلم وهم لا يجدون فرصة للانتباه سوى فرصة قهرية تترك في نفوسهم أثرًا سيئًا.

ولن أكون ظالمة إذا قلت أن التعليم حقًا كابوس متكامل الأركان ببطله الرئيسي (التلقين) الذي يكثر الحديث عنه ولا يتغير شيئًا، فهو الآلية البشعة المميتة لأي إبداع وذكاء طبيعي يأتي مع الطفل إلى الدنيا، فعقولنا تتعامل مع البيئة وتتعلم من البشر المحيطين ولها استجابة للمؤثرات المختلفة ولديها القدرة على التمييز بين المعلومات والمقارنة والوقوف عند الخطأ واستبعاده مما يساعد على تكوين خبرات الحياة، هذا غير قدرات عقلية غزيرة لا مجال لنقاشها الآن، أما رمي المعلومات وحشرها فهو يعمل على إيقاف كل ما سبق واستبداله بمعلومة جاهزة جبرية مفروضة، وإذا لم يحفظها الطالب سريعًا يصفه المدرس بالبليد المتخلف وأحيانًا يصبح مثارًا للسخرية بين زملائه لأنه -في اعتقادهم- أقل تحصيلًا منهم!، وهذه الآلية تساعد فيما بعد على خلق ثقافة فرض الرأي الواحد وتعنيف المفكر واستهجانه والتقليل من شأنه وأن المناقشة فيما نسميها مجازًا بالثوابت عبارة عن شغب ومكابرة لا أكثر!

فمناقشة أبعاد الأمور العلمية والتي تساعد أي إنسان في العالم على التفكير وفتح موضوعات وأفكار نعتبرها هنا مضيعة للوقت، لأن الفصل الدراسي محدد بمدة والمناهج محشوة لأقصى درجة، فمن أين نأتي بوقت نستمتع فيه بالعلم ومناقشته والتفكير وإنماء القدرات؟!، والمصيبة الكبرى أن الطفل مطلوب منه على الدوام تكديس كل هذا في وقت قصير في حيزه العقلي دون وعي ليحصل على الدرجات النهائية!، يا له من سباق متعسف ظالم!

فالدرجات النهائية تحصل عليها بمدى سرعتك في حشر المعلومات في عقلك ثم إفراغها على الورق، فما عقلك سوى حقيبة أو حجرة بالية للتخزين، ومنطقيًا أن ينسى الطلبة ما حفظوه ودكوه دكًا في رؤوسهم بمجرد الخروج من لجنة الامتحان.

ولا أظلم المدرسين فبعضهم عنده المقدرة العالية على ترغيب الطفل في العلم والمعرفة، ولكن الحق أقول أنهم قلة بموجب تجربتي مع التعليم في مصر وتجارب المحيطين ومشاهدات حية من الأجيال اللاحقة، وحتى وإن وجدنا مدرسًا يسعى بكامل إرادته ليرغّب ويشجع قدرات الطفل فكيف له أن يواجه المنظومة الكاملة للغباء ضاغطًا على أعصابه؟!

نعم، فالغباء لا يأتي سوى من الإيقاف القهري للعقل، ولا أرى في التعليم سوى إجبار منظم على قتل أي مواهب عقلية وفنية وإبداعية عند الطفل، والمضحك المبكي أن ذلك يحدث في مرحلة نحن في أشد الحاجة إلى العلم والمعرفة، وليواجهني أي معارض في هذه الحقيقة.

مقال واحد لا يكفي أبدًا للحديث عن التعليم، ولكن أخيرًا أقول أن أولادنا ليسوا سجلات نكتب فيها ثم تتهتك الأوراق وتصفر لنستبدلها بغيرها أو نمسحها لنسطر عليها مرة أخرى، بل هم بشر يستحقون احترام عقولهم لأقصى درجة لعلهم ينقذونا في المستقبل مما فعلناه بحاضرهم وماضينا.

 

المصدر : ساسة بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock