الشأن التعليمي.. سيناريو متكرر | بقلم: محمد الشريكة
نشرت جريدتنا العزيزة «الأنباء» قبل فترة لقاء مع النائب الفاضل د.عبدالكريم الكندري، تناول خلاله الكندري نقاطا كثيرة تتعلق بالشأن التعليمي بالكويت، لا نختلف معه حولها بل هي ملاحظات متفق عليها من الجميع، لكن ما لفت انتباهي دعوته لإقامة مؤتمر وطني يناقش القضايا التعليمية، وهذا الاقتراح أعتقد أننا لسنا بحاجة إليه.
وسأقدم بين يديك عزيزي القارئ الأسباب التي تدفعني لرفض فكرة هذا المؤتمر.
لقد أقيم بالكويت قبل ما يقارب تسع سنوات مؤتمر وطني لإصلاح التعليم وانطلقت به المشاريع والبرامج والخطط الطموح – ولكن على الورق فقط – ولم يستفد من كل هذه الجهود، ولم يستفد من المؤتمر أي شيء.
هذا ولا تكاد تمر سنة إلا ويكون هناك مؤتمر تربوي بالكويت يناقش قضية أشبعت نقاشا، ولكن من دون فائدة حقيقية.
مشكلة التعليم بالكويت لخصتها في مقال نشر قبل سنة وبالتحديد بتاريخ 13/3/2015م تحت عنوان «رؤية إستراتيجية»، في ذلك المقال – إلى جانب باقي المقالات المتخصصة منذ عشر سنوات – تناولت فيه القضايا التعليمية والتربوية، وطرحت رؤى حول كيفية إصلاح التعليم، لكن، وبعد كل هذه السنوات وهذه الخبرة الميدانية والعلمية أستطيع أن أقول: إن كل مشكلات البلد تتمثل في غياب الإرادة لحلها.
فمثلا، التعليم يحتاج إلى إستراتيجية وطنية واضحة، حتى يخدمها التعليم وليس العكس.
وبما أن الإستراتيجية لا بد من أن تكون وطنية، فإن ذلك يتطلب قناعة حكومية فيها.
لذا فإن قناعتي اليوم تقول: إن من يعتقد أن وزير التربية وحده قادر على إحداث التغيير فهو واهم، لأن التغيير يتطلب جهدا يفوق طاقة الوزراء منفردين ويفوق إمكانية الحكومة منعزلة، بل إن التغيير يتطلب نقاشا مجتمعيا يقود إلى إدراك بضرورة التغيير.
ويحتاج التغيير بعد التوافق المجتمعي إلى حكومة قادرة على توفير متطلبات التغيير، وتعمل على تحقيقه، نحتاج قانون التعليم الوطني حتى تخرج المؤسسات التعليمية والعاملون فيها من ضغوط القوانين الحالية (قانون الخدمة المدنية + قانون الإجراءات + قانون إنشاء المحكمة الإدارية..إلخ) التي للأسف لا توائم الشأن التعليمي والتربوي، حتى وصل الأمر أن تصدر أحكام قضائية في قضايا فنية بحتة من دون استشارة أو إدراك لأبعاد هذه الأحكام وآخرها الحكم الصادر بضرورة إلغاء قرار وزير التعليم العالي المتعلق بإيقاف التسجيل والالتحاق للطلاب الكويتيين في برنامج الحقوق/ القانون بأحد الدول العربية، وهو ما سيحدث كارثة لمخرجات هذا التخصص بعد تخرجهم، سيصدمون بأنه ليس لهم حاجة سواء في القطاع العام أو الخاص.
وهذا الحكم يضاف إلى باقي الأحكام التي للأسف انحرفت بالموضوعات الفنية البحتة إلى مسارات غير فنية ولا منطقية.
إن مشكلة الكويت بصورة عامة تتمثل في القرار والإرادة، فلا قرار بلا إرادة، ولا إرادة بلا قرار.
ولقد وصلنا إلى مرحلة متقدمة من تعقد القرار في حياتنا اليومية، حتى وصل الحال بنا ألا نعرف من صاحب القرار، ومن المدير، ومن الوزير.
ومثل هذه السمات تنذر بسوء حال وتعثر مؤسسي يوجب العجز الكامل عن الأداء.
وبالعودة لوزارة التربية، نجد أنه بالإضافة لمشكلة غياب الإستراتيجية الوطنية، يوجد توعك قيادي يتمثل في إسناد الأمر لغير المتخصصين – تذكرت لوهلة أن أغلب المعلمين لا يحترمون مهنتهم فلا لوم على الحكومة حين تعيين الوزراء والوكلاء غير المتخصصين-، إن الوزارة الآن تمر بمرحلة متقدمة من التعسر الإستراتيجي، فلا ضخ لدماء جديدة، ولا قرارات مركزية داعمة للإصلاح، ولا قدرة على إدارة متطلبات الوزارة بمجلس الوزراء.
وأملنا مازال معقودا بعد الله على وزير التربية أن يحدث شيئا، وأن يتيح الفرصة للشباب المتخصصين ليشاركوا في قيادة الشأن التعليمي، وأن يتم تجديد الدماء، وأن يحترم المعلم في وزارته ولا يهمش في المناصب القيادية.
dralsharija@