كتاب أكاديميا

محمد الشريكة يكتب: المؤسسات التي تتحمل عبء تطوير النظم التعليمية مازالت قاصرة..

وقفة- إشكالية التعليم.. ما الحل؟
تعد القضايا التعليمية والتنموية للعناصر البشرية من أهم القضايا التي تشغل بال صانعي القرار في الدول المتقدمة أو النامية على السواء، لما لها من أثر مباشر، إيجابيا كان أو كارثيا، على النمو الاقتصادي.
الكل في هذا العالم يعاني من قصور النظم التعليمية عن تلبية الطموحات التي يضعها صانعو السياسات التعليمية، فلا توجد دولة بنظام تعليمي غير قابل للنقد.
كثيرا ما نسمع أمثلة عن النظم المتطورة كالنظام الفنلندي أو السنغافوري، وكثيرا ما نسمع عن التجارب والنظريات والطرق التعليمية الجديدة، ومع هذا فلازالت الطموحات أكبر مما تحقق! لماذا وما المشكلة؟
من الممكن ان نلخص الإشكالية في نقطة واحدة وهي ان صانعي القرارات اليوم يعانون من فجوة ادراكية بين ما هو متطلب للأجيال المستقبلية وما يعتقدون أنه الافضل «من وجهة نظرهم». نحن وللأسف الشديد نتعامل مع الحاضر بمجرياته الحالية من دون النظر إلى المستقبل بعين مستبصرة لتحدياته وتطلعات من سيعيش فيه.
ما يهمنا هنا هو المواطن الكويتي «المستقبلي»، وكيف ستكون ملامح حياته، وما تحدياته التي سيواجهها في المستقبل المنظور؟ لا يخفى على أحد أن التحديات عظيمة والأمنيات أعظم، وأنهم سيواجهون تحديات ثقافية واجتماعية واقتصادية تستوجب منا مساندتهم بصورة تمكنهم من تحقيق أقصى ما يصبون إليه. كيف لنا ذلك؟
في البداية يجب أن ندرك إدراكا راسخا أن النظام التعليمي هو متطلب للحصول على نتيجة محددة (قوى عمل ماهرة وقادرة على تحمل أعباء التنمية)، وليس هدفا قائما بحد ذاته، والمقصود هنا أن أي نظام تعليمي لا يحقق أهدافا تنموية محددة يكون نظاما يتسم بالعشوائية، وهو ما يتطلب منا كمجتمع أن نفكر ثانية بنظرتنا للتعليم وأنه ليس خدمة واجبة بل هو متطلب.
ثانيا يجب علينا ادراك أن النظام التعليمي يقع تحت تأثير مباشر لمجموعة من العوامل منها ثقافة المجتمع والعوامل الاقتصادية والعوامل السياسية وطبيعة الإنسان نفسه، وهذا ما أكده الباحثان هويب ورستن وكارول جاكوبس في مقالهما المنشور في مجلة itim الدولية والمعنون بـ «أثر الثقافة في التعليم»، فلقد تناول الباحثان جملة من العوامل الثقافية التي يجب مراعاتها حين نقيم أي نظام تعليمي، حيث –وكما يعتقد الباحثان- إنها عوامل مؤثرة في نواتج العملية التعليمية.
كما ذكر الباحثان أن الفروقات الثقافية بين النظم التعليمية انما هي انعكاس للاختلافات النوعية المميزة لكل ثقافة مجتمعية، كما أشار الباحثان إلى أنه ليس من المطلوب أن نقولب البشرية بقالب واحد، لذا يجب أن نعيد النظر في أسلوب اقتباس تجارب الثقافات الأخرى بصورة مباشرة، وهذا يتطلب أن ندرس التجارب المتميزة في ضوء متطلباتنا المحلية وعواملنا المؤثرة. ثالثا علينا ادراك أن أي نتيجة مرتقبة تحتاج إلى جهد الجميع «أسرة، معلمين، قيادات تربوية، اقتصاديين، سياسيين… إلخ» فلا نتوقع أن تتحسن مخرجاتنا التعليمية، وهمّ تحسين النظام التعليمي يقع على عاتق القيادات التربوية فقط، بل يجب ان يكون هناك نقاش مجتمعي معمق، ودعم سياسي متواصل، ومتابعة اقتصادية حثيثة.
ونتوقع من هذه الإجراءات أن تعيد تشكل الأدوار «دور الاسرة، دور المعلمين، دور السياسيين… إلخ»، بحيث سيكون لكل طرف دور حيوي ومساند للمتعلم. رابعا، يجب أن نعيد تشكيل الصورة الذهنية حول شكل وأسلوب العملية التعليمية، حتى نتمكن من أن نطلق القوى الكامنة لدى المتعلمين، فلم يعد مقبولا أن نتوقع من المعلم أن يمارس ما يمارسه معلم القرن الماضي، فمجريات الحياة وشكلها تغير، ومع كل هذه التغييرات مازال بيننا من يتصور أن دور المعلم هو التلقين ودور المتعلم هو الاستماع!
على الرغم من هذه الإمكانات التكنولوجية الهائلة، وهذا التطور المعرفي الكبير، وهذا الانفجار المعلوماتي العظيم فإن المؤسسات التي تتحمل عبء تطوير النظم التعليمية مازالت قاصرة عن تحقيق التطوير النوعي، ومازالت مؤسسات صنع القرار قاصرة عن تحقيق النهوض التنموي المطلوب.
محمد الشريكة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock