هل هناك أساتذة مزورين؟ | كتب: عبدالله العازمي
عصفت قضية تزوير بعض أساتذة التطبيقي بالساحة الأكاديمية، بل وأخذت حيزاً كبيراً من النقاشات في مواقع التواصل الإجتماعي والأحاديث بالدواوين، وأشغلت الصحف والمجال الإعلامي. فأخذ الكل يصرح، فمنهم من يدافع عن شهادته، ومنهم من جعل هذه القضية مادة له للتشكيك والنيل من مكانة وشهادات “أغلب” الأساتذة، ليخلقوا حالة من عدم الثقة بين الطلبة وأساتذتهم، بل يصح أن نقول ليخلقوا حالة عدم ثقة بين المجتمع ككل وأساتذة التطبيقي. ولهذه الأسباب علينا أن نتسائل وأن نثير بعض الإشكالات، والأهم أن نقف على مسببات هذا الهجوم المبالغ على قطاع التطبيقي ومكانة أساتذته.
أولاً، هل نستطيع أن نقول هل هناك أساتذة مزورين؟ بلا شك، نعم. فالتزوير والغش لا يقتصر على فئة دون فئة، فهناك من يستعين بأحد ليساعده في كتابة بحثه وهناك من يجهز “البراشيم” في اختبارات المواد الدراسية، وهذا الأمر ينطبق على طلبة الثانوية وطلبة الجامعة والتطبيقي ومبتعثي الجامعة والتطبيقي لدراسة الدكتوراه، كل العاملين بالوزارات وحتى من يتقلدون المناصب الإشرافية في جميع قطاعات الدولة … الخ.
ثانياً، إذاً أين المشكلة؟ المشكلة تكمن في أن يتم تسليط الضوء على فئة معينة (كأساتذة التطبيقي) ويتم تضخيم وبلورت حالات فردية لتكون مادة للنيل من جميع الأساتدة. فأساتذة التطبيقي على قدر عالي جداً من الكفاءة والمسؤولية، فهم لا يذهبون إلا إلى أرقى جامعات العالم في بريطانيا وأمريكا وكندا وأوروبا. فلا يصح أن نقول بما أن طالب غش أو تلاعب في اختبارات الثانوية أو في الجامعة، فعلينا أن نشكك بجميع الطلبة الأخرين وننال من تعبهم ودراستهم واجتهادهم، ونشكك في تفانيهم ومثابرتهم للنجاح ونيل أعلى المراتب.
ثالثاً، لماذا نرفض الهجوم؟ نرفضه لأن أساتذة التطبيقي يمرون على قنوات كثيرة من أجل متابعة واعتماد قبولهم لدراسة الدكتوراه، مروراً بالقسم العلمي إلى عمادة الكلية إلى إدارة البعثات وصولاً إلى اللجنة العليا في التطبيقي. ثم تتم متابعة دراستهم من قبل المكاتب الثقافية في بلد الإيفاد، وهذه نفس الآلية المطبقة على مبتعثي جامعة الكويت. ولهذا السبب يمكن لأي مبتعث من أي جهة إبتعاث أن يقع بنفس الأخطاء. وهذا ما ذكره دكتور سلطان الشريدة حينما أثيرت قضية تزوير بعض شهادات أساتذة التطبيقي فقال بأنه قبل فترة أثار نفس الموضوع وبالأدلة على بعض أساتذة الجامعة، ولم يفتح أيّ تحقيق، فلماذا فقط يركز الإعلام على التطبيقي؟
رابعاً، ما الحل؟ الحل أن تشكل جهة أكاديمية متخصصة منفصلة تطلب من جميع الأساتذة تسليم سيرهم الذاتية ونسخ من شهادات الدكتوراه، من جميع من يحمل الدكتوراه في الكويت، بغض النظر عن مكان عمله. فتقوم تلك الجهة بتقييم وتأكيد سلامة كل شهادة، وتحدد المزورين وتتم محاسبتهم بطريقة عملية علمية صحيحة، ولا أن يترك حل هذه القضية لمستخدمي “مواقع التواصل الإجتماعي” أو حتى الإعلام.
لا أحد يرفض عدم محاسبة المزورين والخائنين للأمانة، لأن ذلك يخالف كل الأعراف والمواثيق الشرعية والقانونية، ولكن الرفض يكون على طريقة معالجة القضية. وتصريح البعض العلني أو من خلال الإيحاء بأن هذا هو حال “أغلب” أساتذة التطبيقي وهو ما يدفعننا للوقوف أمام هذا المد والهجوم الغير مبرر. ولنفس السبب نطالب وزير التربية بالرد على ما أثير للدفاع عن أساتذة التطبيقي، فهم بنهاية المطاف يعملون في جهة حكومية خاضعة لرقابته ورقابة وزارته.
——-
نقطة أخيرة، شروط الإبتعاث وطريقة الإبتعاث والجهات المتابعة للمبتعثين (كالمكاتب الثقافية) والجامعات التي يفاد إليها مبتعثي التطبيقي هي ذاتها لمبتعثي جامعة الكويت، إذا لماذا التركيز على جهة دون الأخرى؟
——-
نقطة أختم بها، الصحيفة التي أثارت هذا الخبر بكل أسف لم تفهم حقيقة ما جرى، وحوّرته ليكون مطعناً على أساتذة التطبيقي. لذلك أود إقتباس جزء من مقال للزميلة د. إقبال الشايجي توضح حقيقة الأمر:
“للفضوليين ، الصبورين ،العاقلين الذين يرغبون بتكملة القراءة لفهم أصل الموضوع والوصول للحقيقة قبل الرمي بجهالة ، نوضح لكم أن مدير عام الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب وجّه كتابًا قبل فترة إلى كليات الهيئة، يطلب نسخة من رسائل الدكتوراه لأعضاء هيئة التدريس وذلك (1) للاستفادة منها ومن دراساتها في مركز الدراسات والبحوث والذي تعتزم الهيئة إنشاؤه و(2) لتسهيل الإستعانة بأعضاء هيئة التدريس كمتخصصين في مجالاتهم.
بغض النظر عن أن هذا التعميم قد وصل بالفعل لقسمنا العلمي، إلا أنه بسؤال العديد من أعضاء هيئة التدريس نجد أغلبهم لا يعلمون عنه شيئًا ، وبالتالي لم يستجيبوا له ، ولكننا كقومٍ نحب الفضائح والأخبار “الكارثية”، افترضنا أن عدم الاستجابة هو دليل الذنب (والمتهم مذنبٌ عندنا طبعًا حتى تثبت براءته)، وبذلك فإن شهادات أعضاء هيئة التدريس في التطبيقي مزورة أو تم شراؤها، ولكي نضيف بعض الشرعية على الاتهام، وضعنا نسبة إحصائية هي 70٪، والتي إن صدقت (وأشك جدًا بذلك)، قد تعني بكل بساطة تقاعس أعضاء هيئة التدريس أو انشغالهم عن الاستجابة للطلب أو الأوضح هو عدم علمهم بالموضوع.”
عبدالله العازمي
باحث دكتوراه في جامعة أكستر، بريطانيا