الغزو الثقافي والفوضي الاخلاقيه بقلم الشيخة حصة الحمود السالم الحمود الصباح
تواجه أمتنا العربية أزمة ثقافية حقيقية تهدد المكون الثقافى ليس على المستوى الداخلى لكل قطر فحسب ولكن على المستوى الإقليمى أيضا ، ولا شك أن سبب هذه الأزمة والتى أوشكت أن تكن كارثة تهدد الجسد العربى وتضعف جهازه المناعى وتفكك خلاياه والذى لطالما كان متماسكا ومتلاحمًا بقوة هذا الثراء التراثى والمعرفى والمزيج الحضارى الذى تكون بإنصهار العرب والعجم على هذه الأرض العربية الطيبة فى أزهى عصور النهضة العلمية والثقافية .و إذا عدنا للوراء لقرابة قرون ثلاث خلت نجد أن ظهور الثورة الزراعية فى بريطانيا العظمى وإستخدام الآلات الزراعية كبديل للأيدى العاملة ثم التخلص لاحقًا وبشكل تام من هيمنة الكنيسة على مظاهر الحياة من إضطهاد للعلماء والمفكرين فضلا عن تطور آلة الطباعة ودخول الكهرباء بتوسع فى مكونات الثورة الصناعية وتحرر الشعوب الأوروبية من كل قيد للإبداع والفكر أكبر الأثر فى تغير الحياة على وجه الأرض وبعكس ذلك كانت الخلافة العثمانية ترسخ للجهل والفقر والتخلف الحضارى و بسبب فظائعم فى إحتلالهم لأوروبا قاموا باستعداء العالم المسيحى فى أوروبا ضد المسلمين فى كل مكان ومع سقوط الخلافة العثمانية وما تركته من إرث الجهل والخراب الإقتصادى وتجريفها الدائم لموارد شعوب الشرق الأوسط أصبح الجسد العربى مريض ومفكك وتحت قبضة الاستعمار البريطانى والفرنسى والذى ساعد على ظهور التناحر الطائفى والمذهبى بين شعوب المنطقة وذهبت الخلافة العثمانية والتى لقبت فى بداية القرن العشرين برجل أوروبا المريض والذى اقتسم ثروته قوى عالمية جديدة .ومنذ ذلك التاريخ خرج العرب ولم يعودوا حتى الآن كقوة يحسب لها ألف حساب وأصبحنا نقتات على موائد الحضارات المتقدمة لا نحرك ساكنا ولا نساهم بشكل أو بآخر فى دفع عجلة الحضارة والتقدم الإنسانى ، وإكتفينا بالإستهلاك لا الإنتاج ، والغضب لا الحكمة ، والفرقة والضعف لا الإتحاد والقوة .ولا شك أن الوعى لدى الفرد العربى منذ ذلك الحين أصبح أسيرا للخرافة وفى قبضة المتطرفين وأصحاب الشعارات القومية والطائفية وأصبح الإنسان العربى منتفخ الذات والأوداج ضد كل ما هو مخالف ويتميز بوجهة النظر الإنفعالية والرد الإنفعالى والتصرف الإنفعالى ولا يقرأ أو يسعى لتثقيف نفسه ومما يحزن أن ما تنفقه إسرائيل على البحث العلمى أضعاف مضاعفة لما ينفقه العالم العربى بأكمله و كل المقارنات بيننا وبين هذا الكيان الناشئ حديثا تصب فى صالحه على المستوى الثقافى والعلمى والإجتماعى .لقد أصبح الجسد العربى فى أيامنا هذه منهكا بفعل المرض ولا يستجيب للمسكنات ويحتاج لأدوية فعالة تنعش الروح وتقوى العزيمة والإرادة لديه ، أصبح يحتاج لسواعد أبناءه لكى ينهض ، ونقول إن مسئولية علاج هذا الجسد تقع على الجميع سواء أنظمة او شعوب ويجب أن يتوقف كثير من رجال الإعلام والدين عن بث سمومهم فى أرواح شبابنا حتى يستطيعوا أن يستحضروا العزيمة لخدمة أنفسهم وأوطانهم بالشكل الذى يباركه الله حتى نلحق بركب الحضارة والإنسانية ونصحح المسار والسمعة ونحن نستطيع ذلك بفضل حكماء هذه الأمة .
