مقال رأي: الإسلام وفيروس كورونا والذعر الأخلاقي العالمي
من التقارير الإعلامية إلى المحادثات الخاصة، أصبح فيروس كورونا الشغل الشاغل لجميع الأفراد داخل دولة قطر وخارجها؛ فقد أحدث انتشار الفيروس حالة من الذعر والهلع حول العالم، وهو ما دفع المسؤولين المعنيين إلى إلغاء الرحلات الجوية والفعاليات، وإغلاق الأندية الرياضية والمطاعم والمسارح والمساجد، فضلًا عن قيام البعض بتأجيل حفلات زفافهم ومناسباتهم الخاصة. وتشمل قائمة التدابير الأكثر صرامةً لمكافحة الفيروس إغلاق مدنٍ بأكملها وعزل أفراد المجتمع المعرضين للخطر. ونحن نحتاج إلى أن نتذكر أن هذه القيود تفي بغرض معين، “وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم” (القرآن الكريم، سورة آل عمران، الآية 216). وعلاوة على ذلك، لا تتعرض الشؤون العالمية والأنظمة المرتبطة بها للاختبار بفعل هذا الوباء فحسب، بل إن قيمنا الأخلاقية تتعرض للاختبار كذلك، حيث إننا نشهد أشكالًا مختلفة من القلق المعنوي، الذي يُعَرِّض مفهومنا المتعلق بالمجتمعات النزيهة والعادلة والشاملة للخطر، سواء كانت في شكل تخزين الأغذية أو المعقِمات، أو العنصرية المتعلقة بفيروس كورونا.
ويجعلنا الذعر المعنوي العالمي الذي نعيشه حاليًا ننسى أن “الحياء من الإيمان” (صحيح البخاري، الباب الثامن، الحديث رقم 73، صفحة 139). ويعني التصارع على آخر حزمة من أوراق المرحاض، وتخزين معقمات اليدين والكمامات الواقية تضاؤل الإمدادات وارتفاع الأسعار بالنسبة لأفراد المجتمع الآخرين. ويشكل الانخفاض في التبرعات بالدم تهديدًا يحول دون إجراء العمليات الجراحية التي تساهم في إنقاذ حياة المرضى. وقد تسببت الشائعات المتعلقة بانتشار فيروس كورونا من منطقة ظهوره في مدينة ووهان الصينية إلى العالم على نطاقٍ أوسع في حدوث ممارسات عنصرية ضد الجاليات الصينية.
ومع النظر إلى تلك الأوضاع بعين الاعتبار، توفر الفوضى والذعر المعنوي المنتشر حاليًا في أنحاء مختلفة من العالم بفعل فيروس كورونا فرصةً مثاليةً لإعادة التفكير في القيم العالمية والتنمية البشرية عمومًا. ويتميز الفيروس بأنه معدٍ للغاية، وتتراوح أعراضه ما بين المرض البسيط مثل نزلات البرد الشائعة إلى الحالات الأكثر خطورة مثل الالتهاب الرئوي. وقد صنفت منظمة الصحة العالمية الفيروس، مؤخرًا، باعتباره جائحةً عالميةً، وهي حقيقة يجب الامتناع عن التعامل معها باستهتار أو لا مبالاة، حسبما ذكر الدكتور تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، الأمين العام للمنظمة. وحذر غيبرييسوس كذلك من أن هذه الجائحة يمكن أن تتسبب في حدوث خوف متزايد، في حال استغلالها بشكلٍ سيء، أو قبول غير مبرَّر بأن المعركة قد انتهت، وهو ما قد يؤدي إلى حدوث معاناة وارتفاع أعداد الوفيات بفعل الفيروس.
ورغم أن فيروس كورونا له أعراض محدودة وثابتة، إلا أن للذعر المعنوي الذي تسبب في حدوثه العديد من المظاهر. ومع تنحية التداعيات الصحية للفيروس جانبًا، نجد أننا نتصارع مع مجموعة واسعة من الأمور غير العقلانية، وردود الفعل القوية، ونوبات القلق. وما نشهده في وسائل الإعلام يجب أن يجعلنا جميعًا نتساءل عن كيفية التعامل مع الذعر المعنوي من أجل طمأنة الجميع، ولكي يصبح المجتمع أكثر عدلًا، ونزاهة، وشمولًا في هذه العملية، بغض النظر عن سلوك عامة الجماهير. ويذكرنا هذا الوضع على وجه الخصوص بالأحداث التي وقعت منذ ثلاث سنوات، عندما دفع الحصار المفروض على دولة قطر سكان البلاد إلى التدافع للمحلات التجارية رغبةً في الحصول على أكبر قدر ممكن من المواد الغذائية قبل نفاد الموارد، وهو ما لم يحدث بكل بساطة.
وبالمثل، إذا ما واصلنا سعينا لتخزين المواد الغذائية والسلع الأساسية، فسوف يُحْرَم أفراد المجتمع الآخرين من الحصول على هذه السلع، وهو ما سيخلق بدوره شعورًا بالأنانية مثيرًا للمشاكل. ويظهر التصرف على هذا النحو لنا أن الوقت قد حان للتساؤل حول موقفنا فيما يتعلق بتنشئة شباب يهتمون بالأخلاق على المستوى العالمي. وقد كرَّم الله سبحانه وتعالى الإنسان بنعمة حرية الاختيار، وميزنا بالعقل والكرامة لكي نتمكن من اتخاذ قراراتنا الشخصية. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لم يُعبد الله عز وجل بشيء أفضل من العقل”. ولذلك، فقد حان الوقت لاتخاذ خطوة إلى الخلف والتفكير بفعالية حول كيف يمكننا تجنب مثل هذه النزاعات، والحد من الذعر المعنوي غير الضروري الذي يجتاح مجتمعاتنا.
وكان السيد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، قد أشار إلى أن الإعلان عن تحول فيروس كورونا إلى جائحة يمثل “دعوة لتحمل المسؤولية والتضامن”. وفي هذا الصدد، يتعين على الشباب أداء دور بارز. ولهذا السبب، تشجع كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة الشباب في دولة قطر على اغتنام الوقت الذي يقضونه في منازلهم للتفكير في كيفية التصدي للمشاكل التي تظهر مع زيادة الذعر المعنوي، في إطار فعالية عامة إلكترونية تقام تحت عنوان “فيروس كورونا والذعر المعنوي العالمي: تحدي تحفيز الشباب”. وتدعو الكلية الشباب للمشاركة في هذا التحدي عبر تسليط الضوء على الذعر المعنوي العالمي. للمزيد من التفاصيل، يُرجى زيارة: cis.hbku.edu.qa
يشغل الدكتور محمد إفرين توك منصب العميد المساعد لمبادرات الإبداع والتقدم المجتمعي بكلية الدراسات الإسلامية في جامعة حمد بن خليفة، بينما تشغل بيان خالد منصب زميلة أبحاث بالكلية.
займ на карту быстро