كتاب أكاديميا

اخجلوا كما يخجل اللصوص كتبت : د. دلال الردعان


ممتعة ومضحكة هي قصص السرقات العربية القديمة ففي مملكة الغساسنة العربية قبل عقود من الزمن وبعد هزيمة الغساسنة في معركة اليرموك يذكر أنه قد اقتحم مجموعة من اللصوص منهم بيت ابن الملك وقيّدوا الحرس وسرقوا كل شيء حتى ثياب الحرس و استخدموا هذه الثياب في مشاويرهم اليومية وعندما جيء بهم إلى الملك قال وهو يكاد يقع على ظهره من شدة الضحك: “لن أقتلكم بسبب السرقة لأنكم تجرأتم واقتحمتم بيت ابني بل لشدة غبائكم لذا يجب أن نبتر هذا النوع من الغباء الجريء”.. وفي السودان مثلاَ يقولون أن الناس ناموا ليلهم وصحوا على خبر سرقة ولم تكن هذه السرقة لصفقة من الصفقات أو حتى أجهزة أو أموال الدولة بل كانت سرقة لخط طيران جوي من السودان الى هيثرو فقد تم محوه تماماً من الخريطة ومازال الناس هناك يبحثون عن من قام بهذا العمل وعن خط الطيران المفقود تحت الكنب.

وفي احدى الدول العربية وبدون ذكر أسماء استولى رئيس هيئة المخزون الغذائي الاستراتيجي ومساعدوه على كل المخزون الغذائي للدولة بل وتقاسموه بينهم وقاموا ببيعه في السوق واشتروا بعد ذلك كميات أخرى لتعويض ما تم سرقته ليسرقوها مرة أخرى والطريف والعجيب في الأمر أن رئيس اللجنة المسؤولة عن التحقيق في هذا الملف هو ذاته رئيس هيئة المخزون الاستراتيجي ومساعدوه في لجنة التحقيق هم ذاتهم مساعدوه في السرقة
 
وأنا أعرف تمام المعرفة دولة من الدول الديمقراطية الوهابة للمساعدات الانسانية المليارية وبدون ذكر اسماء ايضاً أصدرت قبل أيام احكام بالحبس لمدة عام علي 28مواطن ومواطنة في قضية دعم العمالة وهم من أصحاب الدخول المحدودة ووضع أناس خلف القضبان لمجرد إبداء آرائهم بحرية وصدرت أحكام قضائية بالسجن المؤبد على آخرين فاقدي الاهلية العقلية غير مسؤولين عن افعالهم وسحبت جناسي آخرون حين استخدمت هذه الجناسي ك”صكوك غفران” لقمع الحريات في الوقت الذي ترك خارج القضبان لصوصاً كباراً سرقوا المليارات من خزينة الدولة وبثوا سموم المخدرات والاسلحة البيضاء والافكار التطرفية الارهابية والطائفية بين الشباب دون ان يردعهم احد ويقبض على عصابات ارهابية تسيطر على مخازن للاسلحة داخل الدولة لصالح انتمأت حزبية معادية ويتركون دون ان تمسهم اي عقوبة ومن يتنفعون بالصفقات على حساب التنمية ومن اعضاء اسرة لها نفوذ يتعاركون ويعاندون بعضهم ويتسبب عراكهم وغبائهم بشطب اسماء دولهم من محافل دولية وفي مجالات مهمة كان يشار لدولهم بها بالصدارة دولهم ومن يساهم وبكل جرأة في تشريع قوانين ضرائبية لنهب جيب المواطن ونهب حقه في جودة التعليم والخدمات الصحية بتخفيض ميزانية التعليم والصحة وآخرون يختارهم الشعب بكل ثقة وامل لتمثيلهم وايصال صوتهم لاصحاب القرار يخرجون بتصاريح مهينة تمس امن واستقرار دول شقيقة وصديقة وأصحاب شهادات مشبوهة تولوا مناصب كبيرة وحساسة من غير وجه حق ومسئولين آخرون يتصارعون علناً بسبب مصالح شخصية وأمام الملأ ويتراشقون السب والشتم والتجريح والاتهامات تحت قبة مبنى من المفترض ان يكون صرحاً برلمانياً بغرض تصفية حسابات شخصية ضاربين بعرض الحائط مصلحة وطن ومواطن سأم من هذه المسرحيات العزلية والضحك على الذقون للتكسب الانتخابي والتودد للجمهور مع اقتراب موعد الانتخابات القادم.. ويبدو ان المواطن اصبح منافس للصوص بعدما فقد الامل في اصلاح الفساد مع انتشار جرائم القتل والعنف والسرقات من صغار اللصوص الذين يتعلمون من الكبار وهذا ليس بمستغرب  

في مجتمع تسوده ثقافة “الحكومات لا تخطئ ابداً” فالبراعة في استخدام أساليب التعتيم وعدم الشفافية في طرح الحقائق من قبل هذه الحكومات ساعد على شيوع “ثقافة الفساد’ حيث أصبح الفساد جزء من نسيج الحياة الاجتماعية ..يرتضيه المواطن واقع يتعايش معه ويتكيف مع وجوده بل ويصل الامر ليقلده لتحقيق مصالحه فالفاسدون هم أشخاص اعتادوا التحايل والمكر ومسح الجوخ لتحقيق الكسب الشخص والمادي وتسود بينهم السرية التامة في التعامل ويمتهنون نهب المال العام واستغلال المناصب وكذلك طمس الحقائق وقولبتها وإشاعة الباطل بالتزوير والرشاوى والتسلط واحباط النتاجية واضطهاد العقول المبدعة و التشجيع على التعصب القبلي واتخاذ تعزيز المواطنة ونبذ الطائفية ذريعة لقرع الطبول كلما ارادوا ان يتراقصوا على جروح المواطنين 

فهل جاء الوقت الذي نرى به اللصوص تتحاسب علناً امامنا بدون استحياء فاللي اختشوا ماتوا ” على الشاشات وفي السوشيال ميديا.. 
‎انه من المخجل حقاً وعلى سبيل السخرية ان نعلم ان اللصوص 

‎في الزمن القديم كانوا يخجلون من مهنتهم ويحرصون على ممارسة سرقاتهم خارج حيهم وبلدتهم وحتى انه يقال انهم كانوا يمتلكون شعورا ومبادرات انسانية الا لصوصنا في هذا الزمن انهم من طينة اخرى لا يخجلون ولا يختشون ولا يشبعون ولا يردعون يسرقون الشعب والوطن ويدوسون على مصالح الشعب وداسوا على كل القيم واستمروا بسياسة الفرهود مستخدمين كل شيء من اجل استمرار سرقاتهم وفسادهم واعطاء الشرعية على فضائح سرقاتهم …..لا يكفي ان نشخص السراق ونحتج ونصرخ بوجوههم بل علينا ان نكنسهم الى مزابل التاريخ  
لا يسعني هنا الا ان اقدم العزاء لشباب هذه الدولة ورجالها واهلها في شيوع الفساد الذي استفحلت جذوره وصعب معه العلاج

واني اصدقكم القول بأني متخوفة ان نصحى من نومنا ذات يوم ويصدمنا اللصوص ليس بسرقة خط طيران بل بسرقة بلد كامل ونغدو بين ليلة وضحاها مشردين ومتجردين حتى من بيوتنا.. 

ولكن مازالت ارى ان الامل موجود ومعقود 
د/ دلال الردعان
عضو هيئة تدريس واستشارية نفسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock