ماذا تعرف عن الشهادات المضروبة؟ كتبت : د. أقبال الشايجي
حسنًا أيها القاريء ، لنفكر بموضوعية ، بعيدًا عن التصريحات الصحفية ، والزخم الإعلامي ، والاتهامات المتراشقة. لطفًا ، صفِّ ذهنك من القيل والقال ، وأجبني:ماذا تعرف عن الشهادات المضروبة؟هل هي الشهادة التي يحصل عليها الشخص بعد أن يشتري من يكتب له رسالتها (أطروحتها) أو من يقوم بأبحاثها؟هل هي شهادة المؤهل الدراسي الذي يحصل عليها الموظف وهو على رأس عمله بدون إجازة دراسية؟هل هي الشهادة التي يحصل عليها الشخص من جامعة غير معتمدة من التعليم العالي في الكويت؟أم هل هي الشهادة التي يشتريها الشخص من مكاتب لجامعات وهمية لا وجود لها؟!إن كانت إجابتك أن كل ما سبق يدخل في تعريف الشهادات المضروبة ، فأنت للأسف مخطئ.فبالرغم من أن المثال الأول يجسد لنا كل ما هو غير أخلاقي من غش وتحايل في حامل هذه الشهادة ، إلا أنه إن لم يمكنك إثبات هذا التلاعب ، فالشهادة صحيحة قانونيًا ومعترفٌ بها وحاملها مُعتمد (والمتهم بريءٌ حتى تثبت إدانته) ، حتى وإن لم تُؤهله للبحث أوالتدريس أو لأي شيء آخر غير مزبلة التاريخ. وشهادة المثال الثاني أيضًا صحيحة ، بل في أحيانٍ كثيرة قد يضرب لنا هذا المثال أسمى آيات التفاني في سبيل طلب العلم، خصوصًا لمن يأخذ شهادته من جامعة الكويت (أو الجامعات الخاصة في الكويت ، إن توفرت فيها الدراسات العليا)، لأنه بذلك سيدرس ويعمل في نفس الوقت ، ولا يعني ذلك إطلاقًا أنه أخذها زورًا وبهتانًا. وهناك أيضَا جامعات خارج الكويت تدخل ضمن هذا المثال الرائع لطلب العلم ، فهناك دراسات دكتوراه كثيرة (كالأدبية منها أو العلمية التي لا تحتاج التواجد الفعلي المتواصل في المختبر في بلد الابتعاث). ومرة أخرى ، إن لم تستطيع إثبات أن حامل هذه الشهادة قد “اشتراها” ، فلا يمكننا القول بأن شهادتة مزورة أو مضروبة. إلا أننا يجب أن نفصل هنا بين طلب العلم وبين الترقية التي تتبعها ، فالحصول على مؤهل أعلى بدون موافقة أو علم جهة العمل لا يلزمها بترقية الموظف تباعًا ، ولها أن تقبل مؤهله وتخصصه أو لا تقبله ، فهي أدرى بشعابها.وبالنسبة للمثال الثالث، فعدم اعتماد الجامعة في الوقت الحالي، لا يعني أنها لم تكن معتمدة سابقًا من التعليم العالي، سواء كان الاعتراف بالخطأ (كالجامعة التي اتضح أنها مجرد مكتب) أو بالصواب. وحينها يجب البحث في أسباب عدم اعتماد الجامعة قبل الحكم على الشهادة وحاملها، علمًا بأن المكاتب الثقافية توقف القبول أحيانًا في بعض الجامعات المعترف بها إذا تعدى المقبولين الكويتيين فيها عدد معيّن، وذلك لمصلحة الطلبة وحسن مسيرتهم التعليمية.أما شهادة المثال الرابع، فهي بالضبط المقصود بالشهادة المضروبة والوهمية ، وإثباتها ليس صعبًا أبدًا: إن كنت من الكسولين أمثالي ، ستدخل “الشبكة العنكبوتية” وتبحث في شباكها عن اسم الجامعة وموقعها وترخيصها (وللمهتمين ستجد الطريقة التي اتبعتها مع إحدى هذه الجامعات في آخر المقال). أما إن كنت من الحريصين ، فستسأل في التعليم العالي ولربما الجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي عن هذه الجامعة وتتأكد منها قبل التقديم لها أو اتهام منتسبها بالتزوير بدون دليل. في الحقيقة ، إن أخطر أمثلة الشهادات/الأبحاث المغشوشة الموجودة في “السوق” حاليًا هي المثال الأول، فهي صعبة الإثبات ، وبزعم مقدمي هذه الخدمة: “بفضل الله وبعونه ، والحمد لله رب العالمين” أبحاثهم من أفضل الأبحاث وجامعاتهم من المُعتمَدات. فمن يبيع هذه الأبحاث يفتخر “بفضل الله” بأنها أصلية وقابلة للنشر ، بل ويقومون بنشرها لك كذلك في المجلات العلمية، كل ما عليك هو أن تشتري حقوق التأليف والنشر بالسعر المطلوب وتضع اسمك واسم من تحب على البحث. إن خطورة حاملي هذه الشهادات والألقاب أنه من الصعب إثبات غشهم حتى وإن علمنا علم اليقين أنهم لم يقوموا فعليًا بعمل أبحاثهم ، وذلك لضحالة علمهم وفقهم في تخصصهم. وسيكون من الأصعب على المجتمع كشفهم ، لأننا ببساطة نقدس “حاملي الدال” ، فهم الأفهم والأعرف والأوجه ، ودائمًا كلماتهم كبيرة ومعقدة ، وقليلٌ منا ، خصوصًا المختصين في نفس مجال حامل الدال، من يكتشف أنها كالطبل ، لها وقع صاخب على الأذن ولكنها مجوفة من الداخل.لنكن واقعيين ، مازال هناك من يشتري وسيشتري الأبحاث والشهادات ، ويترقى بسببها ، ونعلم من هم ، ولكننا نتذمر فقط من وجودهم ولا نفعل شيئًا ، وكيف لنا والمكاتب منتشرة ، والأخلاقيات منحدرة ، والرقابة مفقودة ، والعقوبة معدودة؟ إن أردنا ، كدولة أو وزارة تربية وتعليم عالي ، كشف “حاملي الدال” من هذه الفئة ، فعلينا محاربة المكاتب التي تُصدّرها ، ووضع الأسس التي تضمن نزاهة البحث والدراسة والتعليم ، والأهم من هذا وذاك ، أن نعاقب المزورين ونكشفهم ونجعلهم عبرة لمن تُسول له نفسه أن يسير في هذا الطريق. أما إن سولت لك نفسك ، ولم يردعك دينك أولاً ، ولم تردعك قوانين الدولة ثانيًا ، فاصنع ما شئت ، ولك أن تصل لأعلى المراكز.د. إقبال الشايجي