(سيكلوجية الفساد)
الحديث عن ظاهرة الفساد والصراع بين المصلحون والمفسدون في الأرض ليس بأمر حديث أو مستغرب فظاهرة الفساد موجودة منذ فجر الانسانية . فمنذ أن أرسل الله تعالى الأنبياء للدعوة إلى الاسلام والسلام والفئات الفاسدة من صناديد الكفر تتصدى للإصلاح في الأرض. والفساد ظاهرة عالمية لا تخلو منها أي من المجتمعات حتى مجتمعات العالم الأول المتقدمة لكن ما يجعل الامر استثنائي هو ان هذه المجتمعات تتبنى جاهدة سياسة تحجيم الفساد أملا منها بردع آثاره المدمرة والمعرقلة لتنمية المجتمع فعززت حكوماتها الشفافية وأفردت مساحات كبيرة للمسائلة وتقصي الحقائق.
بل أن تلك المحاسبة طالت المسئول الكبير قبل الصغير فلا أحد أكبر من القانون فالكل محاسب على تقصيره في الأداء … فالجميع مراقب و بعيدا عن مقولة’ الحكومات لا تخطئ أبدا’.
أما حكوماتنا في العالم الثالث فتشهد لها شعوبها بالبراعة في استخدام أساليب المهادنة والتعتيم والتصدي لتقليص الفساد .. ومن هنا استفحل الفساد وانتشر ما يسمى ب’ ثقافة الفساد’ بأن أصبح الفساد جزء من نسيج الحياة الاجتماعية .. بحيث نرضى به.. نعيشه كواقع..نتكيف معه… ونتعامل به برضانا أم بغير رضانا لإنجاز مصالحنا.
فهل سيكولوجية الفساد تقتصر على تآلفنا معه في ظل تخاذل حكوماتنا لمحاربته؟ أم أن هناك سيكلوجية خاصة بالفرد الفاسد ؟ فأصحاب الفساد هم اشخاص قاموا باستغلال سلطتهم التي خولت إليهم من خلال مناصب تولوها سواء بالتعيين أو الانتخاب في سبيل تحقيق مصالحهم الذاتية. هم أشخاص يتميزون بالتحايل والمكر ومسح الجوخ لتحقيق الكسب الشخص المادي والاجتماعي ضاربين بعرض الحائط مصلحة الأمة. كما تسود بين أطراف الفساد واعوانهم السرية التامة في التعامل.. وتمتهن الفئة الفاسدة نهب المال العام واستغلال المناصب وكذلك طمس الحقائق وقولبتها وإشاعة الباطل مستخدمة أسلحة التزوير الرشاوى والقمع والتسلط واحباط الانتاجية و التشجيع على التعصب القبلي وانتشار الطائفية.
ليس الحل في أن يكتشف الفساد أو يدان فالفئة الفاسدة قدتستخدم سلطتها وقوتها وثغرات القانون كذلك لتنفذ من طائلة العقاب لكن العلاج في تفعيل آلية الإدانة لمقاومة الفساد فالمطلوب أولا تقوية الوازع الديني للأفراد لتشجيع المحاسبة الذاتية وتغليظ العقوبة. وكذلك أنشاء عدة مؤسسات مدنية مدعومة لمقاومة الفساد وليس الاكتفاء بهيئة مكافحة وحيدة وتعليل مضاعفة أجور موظفيه بأعذار واهية…وكذلك العمل على ضبط الفساد بهيئات مراقبة دائمة مع فضح الفاسدين في وسائل الاعلام.
وأخيرا يقول الله عز وجل: (وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين) [القصص: 177]
نسأل الله أن يقي ديرتنا شر الفاسدين والمفسدين.
د/ دلال عبد الهادي الردعان
استشارية نفسية