كتاب أكاديميا

الإنسانية ومناهجنا الدراسية .. وقفة للتأمل!!  | د. حسين فولاذ

 نأسف كل الاسف لما حدث في الآونة الاخيرة في المملكة العربية السعودية الشقيقة من تفجيرات آثمة طالت الآمنين العُزل في بيوت الله. تلك التفجيرات التي راح ضحيتها أطفال وشباب وشيوخ ليس لهم اي ذنب غير أنهم قد توجهوا لنداء الحق وتلبية فريضته. نحسبهم جميعا من الشهداء الأبرار، دماء ذكية و روح طاهرة لم تبخل بنفسها على خالقها وتعظيم شعائره. عسى الله أن يتقبلهم قبولا حسنا و يعوض ذويهم خيرا.ولكن اذا اردنا ان نقوم بتشخيص المشكلة ومعرفة الاسباب التي دفعت بأحد الأشخاص، بكامل وعيه وإدراكه العقلي، ان يذهب الى بيتا من بيوت الله، والقيام بتفجيره لاختلافه مع المصلين في المعتقد او المذهب، علينا النظر والبحث فيما تربى عليه هذا الآثم من منهج قاده لهذا الجُرم الكبير، الذي يُصنف وفقا لمعايير و ميثاق كل الأمم با “العمل الأرهابي”، الذي لا يقوم به إلا ارهابي مجرم تغلغلت فيه روح الشر و الحقد و البغضاء و أنجبت منه افعالا حمقاء تعبر عن جهل تام بحق الاخرين في الحياه و تعبر عن إنعدام “ثقافة الإختلاف” لديه، ظنا منه أنه خير البشر و أفضلهم و أنه “الأوحد” و”الأجدر” و”الأفضل” في أن يُتبع، و لا يتأتى له ذلك إلا عبر قتل نفس من لا حول لهم و لا قوة من الأطفال و الشيوخ، بل و حرق و نسف كتاب الله الذي يعمر مساجده!!! النشأة … التربية … التأسيس، عوامل ثلاثة أساسية و رئيسية ساهمت في “إنتاج” مثل هذا النوع من البشر، لو كانوا حقا بشر، ذلك الإنتاج الذي دعمته ظروف و عوامل ، للاسف الشديد، فرضها واقعنا الحالي بقوة تصعب مجابتها!!!لقد غاب الفكر الصحيح و المنهج القويم في توجيه هذه القلة البغيضة، و بدلا أن يدفعها للعمار، دفعها للدمار، أي دمار، دمار بيوت الله و قتل العباد بغير الحق!!! لقد تناسى و غفل هؤلاء الشرذمة عن كل القيم و المبادئ التي نادي بها ديننا الحنيف و دعمتها مواثيق الأمم و الشعوب، تلك القيم الهادفة للعيش الحر الكريم مع الاخر، أي كان فكره و معتقده و توجهه!!!ان ما حدث في الدمام والقطيف من تفجيرات ليست ببعيده عن بلادنا الحبيبة للأسف، ولكن السؤال المهم هنا: هل مناهجنا التربوية الموضوعة و “المأمولة” تحث حقا و فعلا على الوحدة الوطنية واحترام إنسانية الأخر، كأفضل المخلوقات على وجه الأرض، وأن قتله يعد جريمة كبرى؟!! كما قال الله تعالى في كتابه الكريم ” أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيْعًا” (المائدة :32). ما هو الحل لخلق جيل واعي متسامح يضع نصب عينه الإنسان بغض النظر عن عقيدته أو لونه او جنسه؟!! في بريطانيا، على سبيل المثال، هناك مادة خاصة تسمى الإنسانيات “Humanities”، تُدرس للطلاب منذ نعومة اظافرهم وتتحدث عن الإنسان وحضاراته والديانات المختلفة دون تكفير أحد اومعاداته او حتى اباحة دمه!!! أتذكر عندما كانت ابنتي تدرس في بريطانيا وصادف وجودنا مناسبة عيد الأضحى المبارك، تم استدعاء أمام مسجد المقاطعة حتى يوضح للطلبة ما هو هذا العيد ولماذا شرعه الله، و ما هي أهميته في حياة المسلمين، و ما هي طقوسه، ولماذا يحج المسلمون بيت الله الحرام، مع العلم ان إدارة المدرسة التي استدعت هذا الامام لالقاء المحاضرة ليست مسلمة، و تقوم بهذا الأمر مع جميع الأديان الأخرى تقديرا منها لها و لمشاعر الأخرين فيما يحملونه من معتقد، إذ ان الاساس لديها هو الإنسان و لا شي اخر يعلو إنسانيته مهما اختلفت ديانته او عقيدته!!! و لم تهاب ادارة المدرسة أن تتغير عقيدة أطفالهم ولم تأبه أن ينتشر الإسلام والمد الإسلامي وغيرها من شعارات أقلها ان تكون طائفية منفرة … فلماذا لا نبدأ نحن المسلمين، و نحن أحق و أولى كما ينادي ديننا الحنيف إلى السلام والتسامح، بتدريس أطفالنا والأجيال القادمة هذه المادة (الإنسانيات)، لنوضح لأطفالنا بأن الإنسان خُلق ليعمر في الأرض لا ليفجر فيها ويقتل ويروع الأطفال والنساء والشيوخ!!! متى تهتم وزارة التربية والتعليم بتأهيل جيل إنساني محب للعمل الصالح وليس جيل عدواني ينظر دائما بأن طائفته في الجنة والآخرون في النار!!! في الختام… أتمنى من وزارة التربية والتعليم إعادة النظر في صياغة بعض المناهج، خصوصا أن فيها ما ينادي إلى التفرقة والتمييز بدلا من المحبة والوحدة. كيف تنمو أمة وتزدهر يكون فيها الزملاء في الفصل الواحد أعداء في العقيدة أو المذهب!!!د. حسين فولاذ[email protected] 


займ на карту быстро

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock