كتاب أكاديميا

الحوكمة المؤسسية في كلية التربية الأساسية: من إطارٍ نظري إلى ضرورة إصلاحية ملحّة !! | بقلم: أ. بشار محسن عبدالرضا عوض

لم يعد الحديث عن الحوكمة المؤسسية في المؤسسات التعليمية ترفًا فكريًا أو مطلبًا تنظيريًا، بل أصبح ضرورة إصلاحية تفرضها التحديات المتراكمة التي تواجه الأداء الأكاديمي والإداري.

وفي هذا السياق، تبرز كلية التربية الأساسية بوصفها نموذجًا يحتاج إلى انتقالٍ جاد من إدارة تقليدية قائمة على الاجتهادات الفردية، إلى إدارة مؤسسية محكومة بأنظمة واضحة ومعايير عادلة.

إن غياب التفعيل الحقيقي لمبادئ الحوكمة المؤسسية يُفضي بالضرورة إلى اختلالات تنظيمية، تتجلى في تضارب الصلاحيات، وتباين القرارات، وضعف الشفافية في بعض الممارسات الإدارية والأكاديمية. وحين تُدار مؤسسة تعليمية مركزية بحجم كلية التربية الأساسية دون إطار حوكمي صارم، فإن ذلك ينعكس سلبًا على بيئة العمل، ويُضعف الثقة المؤسسية، ويؤثر في جودة المخرجات التعليمية.

تقوم الحوكمة المؤسسية على مبادئ غير قابلة للتجزئة، في مقدمتها سيادة الأنظمة على الأفراد، وربط الصلاحية بالمسؤولية، وخضوع القرار للمساءلة. غير أن التحدي الحقيقي لا يكمن في وجود اللوائح بقدر ما يكمن في تطبيقها المتكافئ, ومنع تأويلها أو تعطيلها وفق اعتبارات غير مؤسسية.

فالمشكلة في كثير من الأحيان ليست في نقص التشريعات، بل في انتقائية تنفيذها وغياب المساءلة الفعلية.

وتزداد الحاجة إلى الحوكمة في كلية التربية الأساسية نظرًا لطبيعة رسالتها التربوية، إذ لا يمكن لمؤسسة تُعدّ المعلم أن تفتقر إلى نموذج إداري عادل وشفاف. فكيف يُرجى ترسيخ قيم النزاهة والانضباط لدى المعلم المستقبلي، في بيئة لا تُمارَس فيها تلك القيم بصورة مؤسسية واضحة؟

إن الإصلاح الحقيقي يقتضي الاعتراف بأن الحوكمة المؤسسية ليست شعارًا يُرفع، بل ممارسة تُفرض، تبدأ بتوصيف دقيق للصلاحيات، وتحديد واضح لمسارات اتخاذ القرار، وإخضاع جميع المستويات الإدارية لمبدأ المساءلة دون استثناء. كما يتطلب الإصلاح بناء ثقافة مؤسسية تُقدِّم النظام على العلاقات، والمعيار على المزاج، واللوائح على الاجتهاد.

ختامًا، فإن تفعيل الحوكمة المؤسسية في كلية التربية الأساسية لم يعد خيارًا قابلًا للتأجيل، بل استحقاقًا إصلاحيًا لضمان العدالة التنظيمية، واستعادة الثقة المؤسسية، وتحقيق جودة تعليمية تليق بدور الكلية ومكانتها. فالمؤسسات القوية لا تُدار بالأشخاص مهما حسنت نواياهم، بل تُدار بأنظمة عادلة تُطبَّق على الجميع دون استثناء.

الاستاذ / بشار محسن عبدالرضا عوض
عضو هيئة تدريب
بكلية التربية الأساسية
مركز التربية العملية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock