جولة بين صفحات كتاب «من تاريخ الأئمة والمؤذنين في قبيلة العوازم» | بقلم: أ. مشعل الدويهيس
قـٌصاصات
عند قراءة كتاب «من تاريخ الأئمة والمؤذنين في قبيلة العوازم» للأستاذ طلال سعد الرميضي، يلمس القارئ منذ الصفحات الأولى أنه أمام عمل توثيقي جاد، لا يهدف فقط إلى جمع الأسماء والمعلومات، بل يسعى إلى حفظ جانب مهم من الذاكرة الدينية والاجتماعية لقبيلة العوازم، وهو جانب ظلّ لفترة طويلة بعيدًا عن الاهتمام البحثي المباشر.
فالكتاب يسلّط الضوء على دور الأئمة والمؤذنين ورجال الدين، وهم فئة كان لها تأثير واضح في تشكيل الوعي الديني، وتنظيم الحياة الاجتماعية، وبناء القيم داخل المجتمع، سواء في الكويت أو في المناطق التي امتد إليها وجود القبيلة. ومن خلال تتبع محتوى الكتاب، يتبيّن أن هذا الدور لم يكن هامشيًا أو عابرًا، بل كان جزءًا أصيلًا من بنية المجتمع وتاريخه.
ويظهر جليًا حجم الجهد الذي بذله المؤلف في جمع مادته العلمية، إذ اعتمد على مزيج من الروايات الشفوية، والمخطوطات القديمة، والوثائق الرسمية، إضافة إلى الأرشيفات المحلية والإقليمية. وخلال القراءة، يشعر القارئ بأن هذا التنوع في المصادر لم يكن خيارًا سهلًا، بل جاء نتيجة ندرة المراجع المكتوبة المتخصصة في هذا المجال، ما يعكس صبرًا واضحًا، وحرصًا كبيرًا على الدقة والأمانة العلمية.
كما يتميز الكتاب بمنهجه المنظم والمتدرج؛ إذ يبدأ بمقدمات تمهيدية تناول فيها المؤلف نسب قبيلة العوازم، ومذهبها الديني، وتعريف مصطلح رجال الدين، وهي مقدمات تساعد القارئ على فهم السياق العام قبل الدخول في التفاصيل. ثم ينتقل إلى فصول تناولت القضاء عند العوازم، ونسخ المخطوطات وأوقافها، إضافة إلى الأشعار النبطية ذات الطابع الديني، قبل أن يخصص الجزء الأكبر من العمل لتراجم الأئمة والمؤذنين، مقدمًا لكل شخصية ما تيسر من معلومات موثقة وسيرة موجزة.
ومن الجوانب اللافتة في الكتاب اهتمامه بالبعد الجغرافي، إذ لم يقتصر التوثيق على الكويت فحسب، بل امتد ليشمل مناطق أخرى مثل بادية الأردن، والديار المصرية، والديار السودانية. هذا الامتداد يمنح العمل أفقًا أوسع، ويؤكد أن دور أبناء قبيلة العوازم في خدمة الدين والمجتمع تجاوز الحدود الجغرافية الضيقة.
ويُحسب للمؤلف تواضعه العلمي الواضح، إذ أقرّ صراحة بإمكانية وجود نقص أو غياب لبعض الشخصيات، بسبب طبيعة المصادر المتاحة، وترك المجال مفتوحًا للاستدراك في طبعات لاحقة. هذا الاعتراف لا يُضعف العمل، بل يعكس وعيًا ناضجًا بطبيعة البحث التاريخي، بوصفه جهدًا تراكميًا قابلًا للإضافة والتطوير.
وخلاصة القول، يمكن اعتبار كتاب «من تاريخ الأئمة والمؤذنين في قبيلة العوازم» إضافة قيّمة للمكتبة الكويتية والخليجية، ومصدرًا مهمًا للباحثين والمهتمين بتاريخ القبائل، والدراسات الدينية والاجتماعية. ويستحق الأستاذ طلال سعد الرميضي كل التقدير على هذا الجهد العلمي الواضح، الذي أسهم في حفظ جانب أصيل من الذاكرة التاريخية، وإبراز الدور الديني والعلمي لرجال قبيلة العوازم عبر مراحل تاريخية مهمة.



