كتاب أكاديميا

د. محمد الشريكة يكتب: أمن طلبتنا الفكري.. مسؤولية جسيمة

يعيش العالم اليوم زخم الثورة التكنولوجية في مجال المعلومات والاتصالات، فبفضل انتشار وسائل الاتصال الحديثة أصبحت عملية تبادل المعرفة وتحويلها مسألة ميسرة، ومتاحة لأغلب الطلاب، مما ساعد في زيادة رصيدهم المعرفي وتنمية قدراتهم على الإبداع وإنتاج المعرفة وتجديدها، وتوظيفها، وتنمية علاقاتهم مع الآخرين سواء داخل المجتمع او خارجه، مما يعزز من فرص التنوع والتنافس لدى الطلاب ويحرر فكرهم، بصورة تجعلهم أكثر وعيا وفهما بالمستجدات والأحداث الجارية، والتي قد تؤثر في اتجاهاتهم الفكرية.يعد مصطلح الأمن الفكري من المصطلحات الحديثة نسبيا، حيث بدأ يأخذ مرتبة متقدمة في أعقاب التطور الكبير الذي شهده العالم تكنولوجيا من تطور لوسائل التواصل، وفي ظل الثورة المعلوماتية الكبرى، مما سهل انتقال الثقافات وتأثر بعضها ببعض، وما نتج عن ذلك من غزو فكري وثقافي يهدد الأمة في أمنها واستقرارها. واتفق الجميع على أهمية الأمن الفكري من حيث تعزيزه وغرسه في نفوس أفراد المجتمع، وخطورة مهدداته على الأمة، وذلك من خلال القناعات الثقافية التي ترصدها عقولهم واعتقاداتهم، وتنبع أهمية الأمن الفكري من أهمية العقل البشري الذي ميز الله به الإنسان على سائر المخلوقات، ومن ارتباطه الوثيق بصور الأمن الاخرى، ومن علاقته الوظيفية بها، لأن الإخلال بالأمن الفكري سيؤدي إلى الإخلال في جوانب الأمن الأخرى من دون استثناء، وينتج عنه انحرافات سلوكية تهدد الأمن والاستقرار. ولعل المطلع على السلوكيات والممارسات التي تشاهد في وسائل التواصل الاجتماعي من تناحر وتنافر بين أفراد المجتمع دليل واضح على أهمية التوعية والإرشاد وصولا للأمن الفكري الذي يساهم في وحدة المجتمع وسلامته الاجتماعية والأمنية. كما ان العمليات الارهابية التي مرت على المنطقة خلال الثلاث سنوات الماضية تحتم علينا التحرك لمواجهة هذا الانفتاح الكبير في قنوات التواصل والتي مكنت المنظمات الارهابية من تجنيد الاطفال والمراهقين بكل يسر وسهولة دون تواصل حي معهم، إنما من خلال الإنترنت وأدواتها.ويعتبر الأمن الفكري أساسا بل أهم الأسس التي ينبغي الاعتماد عليها، لتأسيس قاعدة قوية يمكن الانطلاق منها لإدراك أهمية الوعي الأمني وضرورته، حفاظا على مقدرات الأمة ومنجزاتها ضمن الأدوار المنوطة بكل مؤسسات المجتمع، ومن ضمنها المؤسسات التربوية والتعليمية، وذلك في إطار النظرة الشمولية، التي تؤكد المسؤولية المشتركة لكل مؤسسات المجتمع في تعزيز الأمن الفكري.وللمؤسسات التربوية والتعليمية دور محوري في التوجيه والإرشاد الفكري حتى تحقيق نوع من الاتزان الفكري والسلوكي والاجتماعي، ودور تلك المؤسسات هو المساعدة في كيفية الحفاظ على الأمن الفكري للطلاب من ناحية، وكيفية الانفتاح في الوقت نفسه على العالم من ناحية أخرى، لنجني الاستفادة من ثمرات المعرفة الإنسانية والتقنيات الحديثة من دون أن نغامر بفقد هويتنا.ويقع على كاهل المؤسسات التربوية مسؤولية بناء الاتجاهات وضبطها بما يقوي البناء الاجتماعي ويعزز وحدته وترابط أجزائه من خلال برامج مقصودة ومدروسة، تطبق في جميع المراحل الدراسية، تبدأ بالتوعية والوقاية، وتنتهي بالتقويم والمعالجة.وللمؤسسات التربوية قنوات يمكن استغلالها لتربية النشء من خلالها حتى تعزز الأمن الفكري لديهم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:٭ نشر الوعي في أوساط الطلاب فيما يتعلق بأدوارهم ومسؤولياتهم في المحافظة على أمن الوطن.٭ تدريب الطلاب من خلال الأنشطة المختلفة لتعزيز قدراتهم الفكرية وتنمية التفكير الناقد، وكيفية الحوار البناء والمناقشة الهادفة القائمة على التفكير والإبداع الذي يسمح لعقل الطالب بتأمل الأمور ورؤية الحقيقة من أكثر من زاوية، بما يمكنه من الابتعاد عن أن يصبح فريسة سهلة للأفكار المتطرفة والداعية للعنف والتخريب.٭ ربط الأنشطة التربوية والتعليمية بالجهود المجتمعية، من أجل إيجاد نشء متوازن ثري بالقيم الدينية والأخلاقية، مما يؤدي إلى اتساقه مع المحيط الذي يعيش فيه ويجعله عنصرا مشاركا وعضوا فاعلا.٭ تنمية علاقة المدرسة بمؤسسات المجتمع المحلي فتتكامل الجهود التربوية بين البيت والمدرسة والمجتمع، ويرتبط الطلاب بالثقافة السائدة في المجتمع.٭ تركز المناهج على غرس قيم الوسطية والاعتدال والتوازن في تربية الأفراد، وتطعيم المناهج التعليمية بإطار متكامل من القيم والمثل والمعتقدات والأخلاقيات التي تخدم المجتمع في تحقيق الأمن الفكري والتسامح الاجتماعي.٭ اختيار القائمين على التربية والتعليم من ذوي الكفاءة العلمية والتربوية، وخاصه المعلم الذي يؤدي دورا محوريا في العملية التعليمية.وهنا أوجه دعوة إلى وزير التربية والقيادات التربوية لتبني اقتراح إنشاء مركز متخصص يعنى بتعزيز الأمن الفكري بالمؤسسات التعليمية، يلحق بمعالي الوزير، ومن الضروري ان يكون لهذا المركز الدعم المالي والفني اللازم حتى يتمكن من القيام بمهامه بصورة فاعلة. على أن تكون فيه لجنة عليا من المؤسسات الحكومية المتخصصة (وزارة الإعلام، الداخلية، الدفاع، العدل، الشؤون الإسلامية، وزارة الشباب.. الخ) تشرف على أعماله، حتى يكون هناك تنسيق عالي المستوى بين تلك الجهات بما يضمن تكاتف جهودها ووحدة رسالتها.ولعل التجربة المتميزة لوزارة التعليم السعودية والمتمثلة في مبادرة فطن مثال حيوي على أهمية مثل هذا المركز. إن من الثمار المتوقعة لهذا المركز، برامج توعوية وإرشادية للطلبة، ودورات تدريبية للمعلمين، واستراتيجيات توجيهية وتوعوية تساعد على محاربة بعض السلوكيات الدخيلة على المجتمع الكويتي الذي اتسم على مر السنين بالتسامح والتعايش واحترام الآخر.dralsharija@


займ на карту быстро

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock