كتاب أكاديميا

ناصر علي العجمي يكتب: في ذكرى رحيل البروفيسور/ محمد السيد سليم

تطل علينا الذكرى الأولى لرحيل البروفيسور محمد السيد السليم أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة وجامعة الكويت الذي وافته المنية في أكتوبر العام الماضي،رحيله الهادئ البسيط لا يعكس عمق مشاركاته و إرثه العلمي ونبل أخلاقه، لقد كان شخصية إستثنائية ونموذجية على المستويين العلمي والعملي. لم يكن يهتم كثيرا بإبراز معرفته العميقة في الإعلام وكان يجاهد في تبسيط المسائل مع المتخصص وغير المتخصص. بساطته العلمية تعني الكثير لأصحاب العلم بل وتعتبر مؤشر لواقع الشخص الأكاديمي الحقيقي بل لا يعرف قيمتها وما تعنيه سوى النجباء من أصحاب العلم والمعرفة. ألّف الراحل العديد من الكتب والأبحاث العلمية وأشرف على العديد من الرسائل العلمية المميزة المتوفرة في مكتبة جابر المركزية بجامعة الكويت، والتي كتب لها النجاح والتميز بسبب رغبته الحقيقية في أن تشكل تلك الرسائل إسهام حقيقي في حقل المعرفة التخصصي وتوجيهاته العلمية الرصينة للطالب ومتابعته الدقيقة لتفاصيل أي عمل بحثي.

أبرز الكتب التي ألّفها وأصبحت علماَ في قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت والوطن العربي هي “تطور السياسة الدولية في القرنين التاسع عشر والعشرون و ” تحليل السياسة الخارجية” وكانت آخر إسهاماته في تأليف الكتب ” الفكر السياسي الإسلامي”، هذه أبرز إسهاماته التي أصبحت مرجعا لطلاب العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الوطن العربي إضافة إلى الأبحاث العلمية في العديد من المجلات العلمية العربية والأجنبية، أما في جانب دعم المساعي لتأسيس برامج الدراسات العليا كان له إسهام بارز في إنشاء برنامج العلوم السياسية بجامعة الكويت ومركز الدراسات الآسيوية بجامعة القاهرة والذي تم إلغاؤه بعد أن وضع أسسه العلمية والمنهجية وهو الأمر الذي كان يذكره بمرارة كلما تذكر إسهامات المركز لا سيما في السياسة الخارجية المصرية وعلاقاتها بالدول الآسيوية وكفاءة كوادرها الذين يتحدثون بعض اللغات الآسيوية كاليابانية والكورية. ما ذكر سابقا هو موجز مختصر لأبرز الإسهامات الرصينة وماتركته من أثر عميق في نفوس الطلاب والمتخصصين. الراحل علاوة على الجانب العلمي المشرق من حياته، كان نعم القدوة وقدم العديد من الدروس الأخلاقية بغية التركيز على مخرجات التعليم والإبتعاد عن التفاصيل الشخصية والصراعات الجانبية أبرز تلك الدروس التي قدمها مبدأ “صراع الأفكار لا الأشخاص” وهو بالمناسبة لم ينظِّر يوما عن الدروس الأخلاقية والصفات الواجب إمتلاكها كطالب علم بصرف النظر عن الألقاب والمسميات، بل كانت مؤشرات واضحة لسلوكه وتعامله مع طلبته وزملاءه، كان لذلك المبدأ قدسية جنبته العديد من التفاصيل الجانبية غير المهمة ووجهت قدراته الأكاديمية وتحصيل معرفته وخبرته إلى العلم وإكتفى بذلك، أبرز فكرة في ذلك المبدأ تجنب شخصنة الأفكار و الإبتعاد عن وضع صورة نمطية للمتحدث بمجرد التعبير عن فكرة علمية أو سياسية وكان ذلك بفضل الخبرة الطويلة إضافة إلى الأهم وهو تواضع العلماء المؤمنين بأن الفكرة والرأي عرضة للتغيير وأن تحصين الأفكار والآراء لا يجب أن تكون عقيدة لدى طالب العلم بصرف النظر عن الألقاب والمسميات. أبرز الجوانب الأخلاقية التي يعرفها تماماَ طلبته، دعمه للمشاريع والأفكار البحثية للطلبة والسعي نحو إنجاحها بإشراف مباشر وتوجيه دقيق، فقد كان مؤمناَ بضرورة عدم التعامل مع الطلبة بقسوة أو تعالي نظراَ لعدم رصانة الآراء أو الأفكار العلمية بل العكس تماما حتى لو تطلب ذلك الأمر سعيه الشخصي لتغيير الفكرة في إطار المنظور العام للفكرة أو تعديلها و توجيه الطالب بغرض إنجاح تلك الفكرة، وهي خصلة من خصال العلماء المتواضعين وأهل المعرفة.

رحمك الله بروفيسور محمد ستبقى ذكراك مابقي إرثك من المعرفة والعلم والطلبة النجباء..

بقلم:

ناصر علي العجمي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock