أخبار منوعة

لماذا نشعر بالندم والغباء بعد اتخاذ بعض القرارات؟ مفهوم ظاهرة الندم وقلة التقدير الذاتي في علم النفس: “تأثير مرآة السلبية”

لماذا نشعر بالندم والغباء بعد اتخاذ بعض القرارات؟
مفهوم ظاهرة الندم وقلة التقدير الذاتي في علم النفس: “تأثير مرآة السلبية”

في لحظات كثيرة، نعود بذاكرتنا إلى قرارات اتخذناها في الماضي، فنشعر بالندم وربما نشعر بأننا كنا “أغبياء” لاتخاذها. قد يتعلق الأمر بعلاقة عاطفية، قرار وظيفي، أو حتى ردة فعل سريعة. هذه المشاعر شائعة وطبيعية، لكن ما الذي يجعلها شديدة التأثير؟ ولماذا يميل الإنسان إلى جلد الذات بعد فوات الأوان؟ لفهم ذلك، لا بد من التعمق في بعض مفاهيم علم النفس، وعلى رأسها ما يُعرف بـ “تأثير مرآة السلبية”.

مفهوم الندم في علم النفس

الندم هو استجابة انفعالية ناتجة عن الإحساس بأننا لو اتخذنا قرارًا مختلفًا، لكانت النتائج أفضل. هو شعور معقّد يجمع بين الحزن، وخيبة الأمل، واللوم الذاتي. الندم لا ينبع فقط من سوء القرار، بل من الإحساس بأننا كنا نملك القدرة على اتخاذ قرار أفضل، لكننا لم نفعل.

علم النفس يصف الندم بأنه أحد الانفعالات المعرفية، لأن الشعور به يرتبط بتحليل عقلي للنتائج والبدائل. وغالبًا ما يُستخدم كمحفز للتعلم من الأخطاء، لكن في بعض الحالات قد يتحول إلى مصدر لإضعاف الثقة بالنفس.

قلة التقدير الذاتي بعد الخطأ

عند ارتكاب خطأ ما، يبدأ العقل بلوم الذات من خلال أسئلة مثل: “كيف فعلت هذا؟”، “لماذا لم أفكر أكثر؟”، “هل أنا ساذج؟”. هذه الأسئلة لا تنبع من الواقع دائمًا، بل من تراجع مفاجئ في التقدير الذاتي. يشعر الفرد فجأة بأنه لا يملك الكفاءة الكافية، أو أنه يفتقر للحكمة، ويبدأ في تقييم نفسه من زاوية ضيقة لا تعكس شخصيته الكاملة.

وهنا تظهر خطورة تعميم الفشل: خطأ واحد يتحول في نظر الشخص إلى دليل على “غباء دائم”، بدلًا من كونه تجربة عابرة تحمل درسًا.

تأثير مرآة السلبية

أحد المفاتيح لفهم هذا السلوك هو ما يُعرف بـ “تأثير مرآة السلبية”، وهو ميل الإنسان إلى تضخيم أخطائه والتركيز عليها، وكأنها تعكس حقيقته بالكامل. عندما ننظر في “مرآة السلبية”، نرى أسوأ نسخة من أنفسنا. هذه المرآة لا تعرض الحقائق كما هي، بل تحوّرها وتبالغ في سلبياتها.

في الواقع، عقولنا مبرمجة للبقاء، لذلك تسلّط الضوء على الأخطاء كوسيلة لتفادي تكرارها، لكن هذا التركيز الزائد قد يؤدي إلى جلد الذات بدلًا من التعلم. “مرآة السلبية” تهمّش النجاحات، وتتجاهل الظروف المحيطة، وتفترض أننا كنا نملك رؤية واضحة طوال الوقت، بينما الحقيقة أننا نتعلم فقط بعد أن نمر بالتجربة.

كيف نكسر هذا النمط؟

  • التقدير الواقعي للذات: علينا أن ندرك أن ارتكاب الأخطاء لا يعني الفشل الذاتي، بل هو جزء من النضج والنمو.
  • التفكير بمنظور الزمن: القرار الذي اتخذته في الماضي اتخذته بناءً على معطياتك آنذاك، لا على علمك الآن.
  • التعلم بدل الجلد: بدلاً من قول “كنت غبيًا”، اسأل “ماذا علّمتني هذه التجربة؟”.
  • توازن المشاعر: لا تدع الشعور بالذنب يطغى على شعورك بالإنجازات الأخرى.

خلاصة

الندم شعور إنساني طبيعي، لكنه قد يتحول إلى سلاح ضد الذات إذا وقعنا في فخ “تأثير مرآة السلبية”. فهمنا لهذا التأثير ولميكانيكيات التفكير السلبي يمنحنا القدرة على تجاوزه، والتصالح مع قراراتنا الماضية كجزء من رحلتنا نحو نُضجٍ أوسع وتقديرٍ أصدق للذات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock