د. سلوى الجسار تكتب: التعليم في الكويت عند مفترق طرق: من الأزمة الى الإصلاح؟

تزامنا مع خطط وزارة التربية في طرح مناهج جديدة للعام الدراسي القادم بدأ من الصف الأول الابتدائي الي الصف التاسع تواكب متطلبات المرحلة المقبلة
و تاكيدا لما تناولته وسائل الاعلام وعدد من الدراسات التربوية في خصوص انخفاض معدل الايام الدراسية حيث ( عدد ايام الدراسة الفعليه في الكويت تعتبر الاقل بين دول المنطقة ودول العالم المتقدم ) وان مخرجات التعليم ليست في ازمة وانما في خطر حقيقي ، يتطلب حلول ادارية وعلمية ومهنية بعيدا عن العواطف ، خاصة مع ارتفاع الكلفة المالية التي تنفق علي التعليم والتي وصلت قرابة المليارين وربع ، ولازال المواطن الكويتي غير راضي عن مستوى التعليم المدرسي .
فمن يعتقد بان لدينا تعليم فعلي فهو واهم فالمعلم لايزال يلقن المعلومات للحفظ فقط ولايعلم من اجل الاتقان والابداع والابتكار ومدير المدرسة يفتش ولايوجه والموجه الفني يتابع فقط كمية انجاز المنهج وليس لتطوير وتحسين مستوى المعلم والطالب !!
فالأمر يستدعي الكشف عن سياسات وإجراءات تنفيذية ذات اهمية ومستحقة لمواجهة ضعف مخرجات التعليم وتدني معايير الجودة ، ان مواجهة التحديات والمشكلات التي لازال يعاني منها النطام التعليمي في الكويت فالحل لايتوقف فقط على تغيير المناهج ( الكتب المدرسية ) وللاسف لازالت وزارة التربية تتبع هذا النهج على مدى سنوات ضنا من صناع القرار بان تغيير المناهج هو الحل السحري لازمات التعليم ان فكر المسؤولين وخططهم يجب ان تبدأ في وضع خطط جادة لاحداث التغيير من اجل التطوير فلا تطوير وانجاز الا من خلال عمل مشترك وشامل لكل مكونات المنظومًة التعليمية.
وعليه هناك عدد من الإجراءات التي يجب اتخاذها لمواجهة ازمات النظام التعليمي في الكويت والتي من اهم الاولويات:
أولاً
اعادة النظر في عدد الايام الدراسية خلال العام الدراسي مع خطط توزيع المناهج التعليمية في المواد الدراسية بالمراحل التعليمية وخاصة في المرحلة الابتدائية وهي مرحلة التاسيس.
ففي مراجعة بسيطة في تحليل عدد الايام الفعليه التي تنتظم فيها الدراسه للتقويم الدراسي للعام ٢٠٢٥/٢٠٢٤ للمرحلة الابتدائية نلاحظ التالي:
١- بداية الدوام كانت ١٦/ ٩
٢- فترة التقويم النهائي للفصل الاول بدات من ١٢/١٧- ١٢/٢٥
٣- نهاية دوام الطلبة يبدا في ١٢/٢٥
وهي الفترة التي تلي فترة الامتحانات النهائية علما بان عطلة منتصف العام الفعليه تبدا في ١٣/ يناير وحتي ٢/٢ (وهناك ٢٠ يوم دراسي مفقود)
٤- فترة التقويم النهائي للعام الدراسي تبدا من ١٩/مايو الى ٢٥/ مايو
وتليها تبدا العطله الصيفية الى منتصف شهر سبتمبر (وهذا يعني اكثر من ١٢٠ يوم عطلة)
مع مراجعة الارقام السابقة نلاحظ ان عدد ايام الدراسة الفعليه في الكويت ١٢٨ يوم فقط
ناهيكم عن حالات الغياب الجماعي التي للاسف اصبحت ظاهرة لم يتم التصدئ لها والتي تصاحب عطل الاعياد الرسمية والوطنية وعطل نهاية الاسبوع.
وهنا نثير تساؤل مهم امام صناع القرار التعليمي والتربوي:
مامدى توافق عدد الايام الدراسية مع خطط توزيع المناهج الدراسية في المراحل التعليمية ؟
مثال لو اخذنا مادة الرياضيات للصف الاول الابتدائي والكتاب المقرر والمعتمد ضمن خطة الوزارة للعام الحالي يبلغ العدد الاجمالي لصفحات الكتاب الجزء الاول ١٤٧ صفحة ، والجزء الثاني ١٦١ صفحة.
فاذا كان عدد ايام السنة الفعليه للدراسة ١٢٨ يوم ، وتم تقسيمه علي عدد الصفحات التي تتضمن الدروس الفعليه دون احتساب الانشطة والتي تبلغ ٢٧٢ صفحة،
فالسؤال هنا: كيف سيتم شرح المحتوى الدراسي لمادة اساسية في مرحلة تأسيس تقوم على تعليم المعرفة بناء علي الفهم وليس التلقين والحفظ، خاصة لما تكون المادة لها طبيعة خاصة مثل الرياضيات حيث يبدأ يتعلم فيها الطالب المهارات الاساسية في تعليم الرياضيات والتي من المفترض يبنى عليها مايتم تعلمه في السنوات التاليه .
وعليه للاسف ما نواجه اليوم ضعف متراكم في تحصيل الرياضيات لدى الطلبة ، وعزوف عن اختيار تخصص الرياضيات في الجامعات و تراجع مؤشرات تحصيل الرياضيات لدى طلبة الكوبت بناء على المقاييس العالمية، واضطرار الاسر الكويتية الاستعانه في الدروس الخصوصية لعلاج الفاقد التعليمي لاهم مادة في النظام التعليمي،
اضافة الى ان معظم المعلمات تلجأ الى استخدام طرق التدريس النظرية التى تعتمد علي الحفظ وليس الفهم ، لان الاهم هو انهاء المنهج وفق خطة الوزارة فقط بالاضافه الى ضعف اعداد المعلمين وتأهليهم ولاعزاء لفهم الطلبة لمادة الرياضيات.
ان تعليم مادة الرياضيات مثال على الفشل التعليمي الذي اصابها في مخرجات المدرسة الابتدائية ، لكن ماذا عن مادة اللغة العربية وهي ايضا الاهم في تعليم الطلبة القراءة والكتابة !!!
ثانياً
اعادة النظر في تخطيط الفترات الدراسية خلال العام الدراسي بما فيها مواعيد الاختبارات الفصلية والنهائية بحيث تقسم السنة الدراسية الى ثلاث فترات يراعى في تقسيمها مواعيد العطل الرسمية وعطل الاجازات النصف سنوية والصيفية وان يكون بين كل فترة دراسية فترات راحة للطلبة والمعلمين في حدود اسبوع او اسبوعين بحد اقصى.
ثالثاً
هذا التقسيم سيراعي زيادة الايام الدراسية وفقا للمعايير العالمية بان لاتقل عن ١٨٥ يوم دراسي بخلاف الان للاسف عدد الايام في مراحل التعليم تصل الي ١٣٥ يوم دراسي فقط والتي لاتتناسب مع محتوى المناهج التعليمية ، ولاتناسب مع حجم الانفاق المادي على التعليم.
رابعاً
اعادة تقسيم تقويم العام الدراسي سيراعي خفض مدد العطل الدراسية لتقليل الفاقد التعليمي للطلبة في انقطاعهم عن المدرسة ، وتحويل فترة الانقطاع والغياب الي برامج وانشطة مدرسية متنوعة ومناهج اثرائية تواكب مستجدات التعليم الحديث تتيح الفرص لتبني والكشف عن مواهب الطلبة وحافز لتغيير اهمية دور المدرسة في حياتهم، وعليه يجب ان تخضع فترات غياب الطلبة والتي اصبحت ظاهرة سلبية الى الرقابة والمتابعه مع فرض عقوبات سواء علي الطالب وعقوبات علي بعض الادارات التي تشجع الطلبة علي الغياب.
خامساً
مراجعة محتوئ كتب المرحلة الابتدائية في المواد الاساسية في التركيز فقط علي تعليم المهارات الاساسية في الصفوف الثلاث الاولى خاصة في مواد ( الرياضيات واللغة العربية واللغة الانجليزية والعلوم ) حتي يتمكن الطلبة من اتقانها بمستوى الابداع وليس الحفظ وان تكون الخطط الدراسية مبنية على ( ٥٠ ٪ معارف أساسية ومهارات ، و٥٠٪ تتضمن مهارات حياتية وقيم تربوية ) مما يتيح للمعلم تطبيق الانشطة التعليمية التي تسهم في تعزيز مهارات التفكير والابداع لدى الطلبة وبما يسهم في اكسابهم مهارات وقيم حياتية لتطبيقها في الحياة اليومية والاسهام في تعزيز قيم المواطنة الصالحة في تنشئة جيل واعي في واجباته ومسئولياته ، على ان يتضمن هذا التقسيم في بناء وتصميم مناهج المرحلة الابتدائية دون تخصيص مادة للتربية الوطنية او المهارات الحياتية وإنما هي جزء متكامل ومتضمن ضمن محتوي المواد الاساسية من حيث (المعارف والمهارات والقيم).
فصناعة التعليم في مراحل التعليم الأولى تشكل ذات اهمية في تمكين الطلبة من المعارف والمهارات والقيم بالتركيز علي استراتيجيات التدريس المتنوع القائم على تنمية مهارات التفكير وتعزيز قيم المواطنة والمهارات الحياتية .
سادساً
التوسع في برامج التنمية المهنية للمعلمين لمواكبة التطورات الحديثة التي تمكن المعلمين في متابعة ماهو جديد وتحسين قدراتهم في مجال مهارات وكفايات التعليم ، لذا نقترح البدأ في تطبيق مراكز التدريب المدرسي من خلال تاهيل بعض الموجهين اصحاب الكفاءات ليقومون في وظيفة المدرب المقيم في المدرسة.
سابعاً
مواجهة تحديات ومشكلات النظام التعليمي في الكويت لايتطلب فقط تغيير المناهج وتدريب المعلمين ولكن اعادة تأهيل الهيئة الادارية في المدارس المتمثلة في المدراء ومساعدينهم لتمكينهم من مهارات القيادة الفعالة ، وتطوير برامج اعداد المعلمين في كليات التربية بما يتواكب مع مستجدات التعليم الحديث والمتغيرات المتسارعة.
ثامناً
تنويع وسائل التقييم لتحديد مستويات التحصيل الدراسي للطلاب بعدم الاعتماد فقط علي الاختبارات وانما تطبيق طرق متنوعة مثال المشاريع التعليمية ، والتعلم بالخدمة، وبرامج التعلم النشط والمجتمعي وغيرها.
تاسعا
وضع لوائح جديدة باستخدام البرامج الرقمية ( في البدء في حوكمة التعليم ) لمواجهة حالات الغياب المستمر والهروب من الحصص للطلبة وفرض الرقابة والمحاسبة للمتابعة من قبل المدرسة والبيت وربط النظام في سجل الحضور والانصراف للطلبة مع احتسابه ضمن سلم الدرجات.
عاشراً
اصلاح التعليم وتطويرة يتطلب اعادة النظر في اللوائح والأنظمة التي تنظم وتحكم جميع المدخلات وضمان المخرجات في منظومة العمل المدرسي في حفظ حقوق جميع العاملين لتأسيس ولاء مهني متكامل وهذا لايتحقق الا من خلال حسن اختيار القيادات بكافة مستوياتها ومتابعة تطبيق القوانين بعدالة وحفظ حقوق الجميع وهنا يتطلب فرض نظم للرقابة الميدانية الرقمية والمحاسبة من خلال وضع مؤشرات لقياس الأداء والمتابعة الميدانية بعيدا عن اية محاصصات او اعتبارات أخرى فالجميع مطالب بالعمل بشفافية وعدالة ومهنية.
نتطلع الى ثورة تقود الاصلاح والتطوير في آن واحد والتي هي مسؤولية مشتركة بين كافة مؤسسات الدولة والمجتمع
فنهضة الامم لاتكون الا في التعليم
الدكتورة سلوى عبدالله الجسار
الاستاذ في كلية التربية – جامعة الكويت
النائب السابق في مجلس الامة




