سوسن إبراهيم تكتب :لو عاش زويل في دمنهور
لو عاش زويل في دمنهور
“الغرب ليسوا عباقرة ونحن لسنا أغبياء؛ هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل!” – أحمد زويل
لما الغرب متطور أكثر ومتقدم ولما الدول العربية تُسمّى بدول العالم الثالث وبالدول المتخلفة؟ لأنه ببساطة الغرب يستثمر بالإنسان ويثق بذكائه وقدراته على التنمية. بينما دولنا العربية أخر من تثق به هو الانسان. مُنتقصة من دوره في المجتمع بل وللأسف تتفنن في قمعه وازدرائه.
وهذه المعادلة البسيطة تظهر الآن خاصة مع جائحة كورونا، العالم ينتظر لقاحات تنقذها من الهلاك. ودولنا العربية تتعالج بالعطارة والخرافة! بل هي أول من يترقب بصمت نتائج اللقاحات من دول غربية قدّرت العلم والعلماء وأفسحت لهم المجال والمال ليعملوا جاهدين في سبيل إنقاذ الأمة. استثمرت بهم بداية والآن دورهم قد حان ليردوا الجميل.
فلقد نجحت دول كثيرة وماتزال تحصد ثمرات هذا النجاح بعدما أدركت سر النجاح، ألا وهو استثمار العقول بعيدًا عن الجنس، الموطن، او حتى الأصول العرقية، وبلا تحيّز لصاحب سلطة أو نفوذ.
فنرى اليابان التي نهضت بعد ضربة هيروشيما قوية تُنافس دول العالم باقتصادها ونجاحها بعد أقل من خمسين عام من الضربة التي ما زال بعض آثارها موجود. بل هنا ايضا في بعض الدول العربية التي اكتشفت أن الانسان هو الثروة الحقيقية للتنمية فنرى دولة قطر التي فتحت ذراعيها محتضنة كل من هو فريد ومبدع ومبتكر فنجحت في العمارة والاقتصاد والاعلام بشكل خاص والمتمثلة بالشبكة الاعلامية الأبرز في العالم “الجزيرة”.
فبلا شك الدول التي تستقطب عقول الشباب المبدع تكون بالطليعة دومًا. لأنها استثمرت ثروة لا تنضب ولا تنتهي بل متطورة على الدوام.
الاستثمار الحقيقي الآن هو استثمار الطاقات الشبابية والاستفادة من أفكارهم وكفاءتهم ليُنتجوا أكثر ويبدعوا. فقد انتهى عصر استثمار الماديات وأصبح الإنسان وحده من يرفع من قيمة مجتمعه ويرسم مستقبله ويساهم في حركة التنمية.
فها هو أحمد زويل العالم المصري الأمريكي حائز على جائزة نوبل في الكيمياء.
زويل الذي ولد في دمنهور في أم الدنيا، هاجر الى امريكا ليستكمل تعليمه والذي شع ذكاء وفطنة تلقفته جامعات أمريكا وحاز على مناصب أكاديمية رفيعة بل وكُللت جهوده بجائز نوبل للكيمياء.
وباراك أوباما الذي أصبح أول رئيس من أصول أفريقية ينجح في الوصول إلى البيت الأبيض. رغم تاريخ أمريكا العنصري اتجاه الأفريقيين الذي لم ولن يُنسى أبدًا.
ورشيدة طليب التي أصبحت أول مسلمة أمريكية تعمل في مجلس ميشيغان التشريعي، تعتبر اول مسلمة تصل الى الكونجرس.
وكذلك نظيرتها إلهان عُمر أول محجبة تصل الكونجرس، التي ولدت في مقديشو، فهربت وعائلتها بعد اندلاع الحرب الأهلية عام ١٩٩١، لتمضي أربع سنوات في مخيم لللاجئين في كينيا. ويُهاجروا بعد ذلك إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
المسلمة البسيطة التي وُلدت من رحم المعاناة وعاشت كلاجئة ومهاجرة لم يمنعها ذلك من تسلق سُلم النجاح.
هؤلاء جميعا أثبتوا للعالم بأن استثمار العقول اهم من استثمار الماديات والأراضي والأصول لأن الأخيرة تنتهي وتنقضي ولكن العقول تبقى انجازاته الى أبد الدهر.
ونماذج كثيرة لم تنجح في بلدانها الأم، ليس لأنها فاشلة أو ضعيفة ولكنها لم تجد مجتمعا يحتويها ويقدرها ويستثمرها، نجحت بالخارج فقط حينما حصلت على التقدير اللازم.
يا تُرى ” لو عاش زويل في دمنهور” أو استقر أوباما في مسقط رأس والده الكيني أو تمسكت رشيدة طليب بجذورها في فلسطين أو ظلت إلهان عُمر في مقديشو في ظل الحرب الأهلية آنذاك، هل سيصبحون ما غدوا عليه الآن؟ سؤال يستحق التأمل.
سوسن إبراهيم