كتاب أكاديميا

محسن الصالحي: “بصيرة معلم وقدوة متعلم” بقلم: أ.د. بدر محمد ملك

من الكتب الجديدة في توريث الخبرات النافعة وتوثيق مواقف النبلاء من المعلمين المعاصرين كتاب: “بصيرة معلم وقدوة متعلم: روائع قصص الميدان التربوي” الذي كتبه المربي الكريم أ.د. حمد بليه المرهان ( 1445هـ – 2024م) وهو كتاب ‌قيّم به فوائد جمة؛ إذ يحتوي على نفائس المواقف التربوية الميدانية مع تحليلات نفسية عميقة. يستمد المؤلف من مدارسنا وجامعاتنا ومجتمعنا مادة علمية ثمينة تلخص خصائص فاعلية المعلم.
يتكون الكتاب من ثلاثة أجزاء، وقامت مكتبة راكان بطباعة هذا السِّفْرِ النفيسِ طباعة أنيقة تعين القارئ على الاسترسال في القراءة، والاستزادة في تحصيل العلم. يمتاز الكتاب بسهولةِ العَرْضِ، وتنوع المواضيع، وعُمقِ المقاربات، وجمال الفكرةِ، وحسن انتقاء السَّيْرِ والمواقف بطريقة تمزج بين السَّرديَّة والحوارية. هذا العمل التربوي الموسوعي هو ثمرة عدة سنوات من المقابلات الميدانية، والرحلات العلمية، والتحليلات الرزينة. قام المؤلف الحصيف – حفظه الله- بتحليل الكثير من مواقف المعلمين والمعلمات مستنبطا منها الفوائد التربوية، والمبادئ الرشيدة، والمسارات السديدة. وخص المؤلف فصلا لبيان فاعلية معلم التربية الخاصة كما نجح في توظيف خبراته التدريسية وأفكاره التربوية في إثراء جنبات الكتاب.
أثلج صدري هذا الكتاب في منهجه التأصيلي والتحليلي والاستنباطي ولاسيما حفاوته بمواقف المعلمين المعاصرين عبر إبراز أفضل إبداعاتهم باعتبارهم من أصحاب الهمم العالية، ‌والبصائرِ ‌النافذة، والأفهامِ الثاقبة. مثل هذه الدراسات الراصدة وثيقة الصلة بالواقع وتتوافق مع مبادئ أصول التربية من جهة، والاتجاهات الحديثة في ميدان علم النفس الإيجابي من جهة أخرى حيث التركيز على الجوانب الإيجابية الهادفة إلى رفد الميدان بنماذج واقعية تعزز الإرث التربوي، وتدعم دور مؤسسات التربية والتعليم.
وفي هذا السياق الهادف كتب أ.د. حمد بليه المرهان 16 صفحة عن الراحل محسن حمود الصالحي (1953-2022) حيث بدأ بالعبارات التالية “الصالحي قامة” جملة ترددت على مسامعي من الأخ الأستاذ الدكتور بدر ملك في عام 2016م … فكلما زارنا الصالحي قال الدكتور بدر ملك “الصالحي قامة” فسألته ماذا تقصد بقامة؟! فاستغرب عدم معرفتي، وقال “محسن الصالحي قامة في طلبه للعلم وانسانيته، ومواقفه التي تُخَلَّد” وأحسست من نبرة صوته، وطريقة رده أني قد جهلت شيئا لا يحسن لمثلي جهله. وأخذ د. بدر ملك يذكر لي عدَّة مواقف عن د. محسن الصالحي “أبو حمود” فاستشعرت فعلا أن رجلا عظيما يعيش بيننا يستحق تسليط الأضواء عليه، ليكون قدوة لنا في كثير من المعاني مثل الوطنية، والنخوة والشجاعة والعزة وتطوير الذات وطالب العلم والمسئولية الاجتماعية” (3/ ص284، باختصار يسير).
أشار المرهان إلى أن الصالحي حصل على دبلوم المعلمين عام 1977م، وفي 1998 حصل على الدكتوراه من جامعة بتسبرغ الأمريكية في تخصص أصول التربية. وقام الصالحي بتأسيس مجلة الدراسات والبحوث التربوية، وعمل رئيسا لتحريرها. وبعد وفاة الصالحي جاء أ.د علي حبيب الكندري (أستاذ المناهج وطرق التدريس والعميد المساعد للشؤن الأكاديمية والدراسات العليا سابقاً- كلية التربية- جامعة الكويت) ثم أ.د. عبدالله الكندري (أستاذ المناهج وطرق التدريس، وعميد كلية التربية الأساسية سابقا، ورئيس المكتب الثقافي في القنصلية الكويتية بدبي سابقا).
كتب المرهان عن موقف الصالحي في فترة الغزو العراقي لدولة الكويت ثم ذكر نبذة مختصرة عن سيرة محسن الصالحي ومواقفه التي تدل على الوفاء النادر مع أصدقائه وزملاء العمل وأهله. وتناول المؤلف شخصية الصالحي في الجانب الإيماني وهو جانب مهم من جوانب المربي القدوة بل هذا الجانب هو الذي يعطي البصيرة والديمومة لمعلم الناس الخير.
“مَا الْفَضْلُ إِلَّا لِأَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّهُمُ … عَلَى الْهُدَى لِمَنِ اسْتَهْدَى أَدِلَّاءُ”
كتب المرهان: “لقد زرت الكلية بعد وفاة الصالحي بأيام “لا أعلم أن زميلا في الكلية من الذين توفاهم الله كُتِب عنه، وتُفُوعِل مع موته مثلما كُتب عن محسن الصالحي رحمه الله”. وعن وفاء الكويت لمحسن الصالحي كتب أ.د. حمد بليه المرهان “وعلى الصعيد الرسمي، وبعد وفاته رحمه الله بشهرين تقريبا، وأثناء جمعي لهذه المادة صدر قرار من وزارة التربية بتسمية إحدى مدارسها الجديدة في منطقة غرب عبدالله مبارك -قطعة (6)- باسم “محسن حمود الصالحي الابتدائية-بنين” (3/299).
يدرك الكاتبون في حقل التربية المعاصرة أن ‌إعادة الاعتبار لعطاء المعلمين ركيزة أساسية في التنمية المجتمعية، وإعداد المعلمين ودعمهم وتحفيزهم. وعليه يتعين تسليط الضوء إعلاميا على دور المعلم لتكثير التبصُّر، وتجذير النباهة التربوية، وتجلية جوانب النبوغ والتميز. وللارتقاء بالواقع لا مناص من إبراز مآثر المربين واجتهاداتهم ومواقفهم الموفقة. وبهذه النظرة التفاؤلية التفاعلية نمهد أرضية صلبة للمعلم المستجد في البناء التربوي كي يتخذ التعليم رسالة إنسانية متجددة قائمة على التمكين لا التلقين. رغم جسامة التحديات في ميدان التربية والتعليم عربيا وعالميا فإن تسليط الضوء منهجيا على الجوانب المضيئة في حياة المعلم وتأصيلها وتنميتها ضرورة عصرية لترسيخ الجوانب الإيجابية، وتحسين المسار، وإرساء الوعي التربوي، وتوريث الخبرات، وزراعة أشجار الأمل كي ينتظم سِلْكُ التدريس. كتاب “بصيرة معلم وقدوة متعلم: روائع قصص الميدان التربوي” ‌يُدَنْدِن – من حيث المحتوى والهدف- حول محاور أصول التربية، وأعمدة علم النفس الإيجابي، والميدان التربوي الذي يحفل بالكفاءات القديرة، والمواقف المضيئة التي يسْطَعُ ‌نُورُهُا بالتعاون المثمر، وقد قيل: (العلم ‌رحمٌ ‌بين ‌أهله).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock