كتاب أكاديميا

حرق المصحف الشريف وحرية الرأي ميزان بكفّةٍ واحدةٍ ..بقلم: د.فلاح الهاجري

عندما نتكلم عن “مبدأ الحرية” فإننا نتكلم عن مقدس تتفق عليه البشرية بجميع أطيافها وألوانها وأشكالها ومعتقداتها المختلفة بإطاره العام، وإن كانت تختلف في طريقة تقييد هذا المبدأ بما يتناسب مع كل منها، إلا أننا نعني تلك القدسية التي هي محل اتفاق بين الجميع وهي المساحة المشتركة المحترمة لدى الكل ونستطيع تسمية هذه القدسية بـ”مبدأ الحرية العادلة”.

ومن خلال ذلك المبدأ نرى البعض ممن يختبئ وراء قدسيته يمارس طقوسه الخاصة على الآخرين رافعا شعار “الحرية المقدسة”، وما ذاك إلا إرادة منه للوصول إلى مآربه الشخصية سواء كان حامل الشعار مملكة أو دولة أو حتى جماعات وأفرادا، وليس هنا مجال الشرح فلذا أقول لك: لا تقرأ عن “قدسية الحرية، بل اقرأ عن تصرفات ممارسيها وقارن بينها وبين          ” منطلقات “الحرية” تجد الحقيقة المرة.

ما جعلني أتكلم عن “قدسيّة “الحرية” هو اختباء حارق المصحف الشريف خلف ستار تلك القدسية والحقيقة أن هذا الفعل المشين لا يرتضيه من يغار على هذا الدين الإسلامي الحنيف.

ما هو السبب وراء هذا الفعل الشنيع؟ أين مبادرة “تحالف الحضارات”، والتي دعمتها الأمم المتحدة، أليس هناك ندوات عالمية حول حوار الأديان؟ شتان بين من يبحث عن الحق وينشده كنبي الله إبراهيم عليه السلام، وفي عصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم كسلمان الفارسي رضي الله عنه، وبين من يهاجم أديان الآخرين دون مبرر إلا العصبية والعنصرية والكراهية.

إخوتي في الإسلام، وكذلك أخوتي في الإنسانية ممن لا يعتنقون الدين الإسلامي: إنني هنا لا أدافع عن ديني : لان ربي سبحانه وتعالى قد تكفّل به وتكفّل بكتابه الشريف والدليل بقاؤه من غير زيادة ولا نقصان ولا تبديل ولا تحريف على مدار ألف وأربعمائة سنة، فلن يغيره ما فعل المأفون فيه من حرق أو تدنيس، ولكن حديثي هنا حول منطلقات الحرية”، والتي من أنماطها: “حرية الرأي” ومنها: “الحوار والمناظرة”، فهل مستطيع الأعلى يلجأ إلى الأدنى بلا مبررات سائغة!

إنني هنا وبكل ثقة أقول: إنّ هذا الفعل الشنيع يدل على العجز التام لكل من ناهض الإسلام وأراد النيل منه بكل وسيلة، ففي القرآن الكريم من الحجج والبراهين الدامغة والاكتشافات التي وصل إلى بعضها أهل التكنولوجيا الحديثة ما يردّ حجج مخالفيه وتهوين قوانين مناهضيه، ولنا في مراحل تكوين الجنين خير مثال .

إننا عندما ننظر إلى هذه الحجج والقوانين القرآنية وعجز مملكة السويد عن مجاراتها والحوار الديني فيها مما ألجأها إلى التذرّع بالحريات للسماح للمأفون بهذا الفعل المشين بحرقه المصحف، يدلنا على انعدام البيِّنات من قِبْلِهِمْ وعجزهم التام لمناهضة ما ورد في كتاب الله فانجرفوا لمثل هذه التصرفات التي لا تغني ولا ربي سبحانه تسمن من جوع إن حديثي هنا ليس من باب الحمية الدينية وإن كانت سائغة يسبب هذا الفعل المشين، إلا أنني أريد مخاطبة العقول بشتى معتقداتها، لنكون على كلمة سواء بيننا وبينهم، لذا هل “مبدأ الحريات” يتجزأ بحسب الحال والمقال وأخص بالذكر هنا “مبدأ حرية الرأي”، أم أن القواعد الحاكمة والضوابط الجامعة والقيود المانعة هي من تسير هذا المبدأ؟ في حقيقة الأمر إنّ “مبدأ الحريات”: وبالأخص “حرية الرأي” والذي ينادون به لا يعني الإطلاق بلا قيود مشروعة مقننة من قِبَلِ الحرية ذاتها، لأن المبدأ إذا تضاربت جوانبه سقط سقطة كبرى لا حراك بعدها.

وبيان هذا التضارب عندما تكون الحرية مطلقة للطرف الأول ومطلقة للطرف الآخر المقابل له ويتجلى هذا التضارب أكثر عندما تتقاطع الطرقات فتبتدأ الحدود برسم القوانين بين تلك الأطراف عبر حدودها المتقاطعة وهنا متى ما تزعزعت هذه الحدود بالانتهاك سقط المبدأ الذي يربط بينها، وهذا ما حصل في السويد والتي أزالت بتصرفها هالة القدسية عن الحرية” وذلك بتذرعها فيه، فتارة ترسم الحدود وتارة تطلق العنان بسم الحرية بلا ضوابط حقيقية.

إن حقيقة: “التضارب في مبدأ الحريات لا تخفى على كل من ينادي به، والحرية حق يطالب به أهل الفكر القويم. إنّه المبدأ والمبدأ لا يتجزأ والقاعدة القاعدة، فالقاعدة تندرج تحتها فروعها، و”حرية الرأي” لا تعني الإساءة للآخرين، وإلا تضاربت جوانب هذا المبدأ، وانعدمت صلاحية القاعدة التي أصبحت تطبق على بعض فروعها دون الأخرى.

إن ما حصل لَهُوَ التضارب بعينه الذي أسقط “مبدأ حرية الرأي”، وإن سألتني كيف هذا؟ فإليك القاعدة السابقة في بيان هذا المبدأ وهي: التطبيق حسب التشهي والأهواء من خلال الانحياز غير المقبول للعقول بأنّ ما يعتقدونه أو يجيزونه في حيز الممنوع والذي لا مساس فيه، بل إنّ الحديث فيه جريمة يعاقب عليها القانون، بينما الكتاب المنزّل من عند الله على الحبيب المصطفى والمقدّس عند جميع المسلمين يخضع لما يليق لهم

من قوانين “حرية الرأي”، ما لكم كيف تحكمون ! هنا وبعد هذا البيان المصاغ لكل متفكر يعي ويفهم ما يحصل حوله يعلم بأنّ هذا الفعل يعدُّ انتصارًا للإسلام ببيان ضحالة خصمه، بل وانعدام حجته، والحقيقة أنه لو وجد هذا الخصم شيئًا على القرآن الكريم وحاشاه من النقص لانتفضت وسائله الإعلامية فرحًا وطربًا لبيان النقص فيه، ولكن ليقينهم التام بتمام ما فيه لجئوا لمثل هكذا تصرفات.

فهنيئاً لكل مسلم حوى القرآن أو بعضه في صدره، وما حصل يزيد من عزم المسلم في حفظ كتاب الله في صدره، وتدبره بقلبه.

بقلم د. فلاح محمد الهاجري

أستاذ السياسة الشرعية وعضو الهيئة الإدارية بجمعية أعضاء هيئة التدريس بجامعة الكويت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock